دخلت السجن – روعة درويش
لن أنتظر مضي ٢٥ عاما حتى أكشف ملابسات ماحدث لي في مطار اسطنبول منذ عامين ونصف تقريبا ..
نعم الجملة مرعبة جدا ومازالت مرعبة كلما تذكرتها ..
غادرت اسطنبول إلى برلين ، وأحببت ان أعود إليها بعد فترة وبكل امان واطمئنان غادرت برلين باتجاه اسطنبول ..
وصلت الطائرة وكنت أول من غادرها بكل سعادة وأمل أنني سوف أرى اسطنبول الجميلة بعد قليل ..
ووصلت إلى كاونتر الجوازات ، وسلمت على الموظف بالتركية التي تعلمت منها القليل أثناء وجودي فيها لشهور ..
هز الموظف راسه وقال : لن تدخلي ..
هنا طارت اللغة التركية فبدأت الاستفسار بالانكليزية ،، لكنه زاد حدة لانه لم يفهم وقال : لن تدخلي ..
هنا لابد ان أكَسِّرَ بالعربية حتى يفهم … لكن النتيجة واحدة ..
وجاء ضابط واقتادني إلى غرفة فتحها بالمفتاح ، وبلمحة واحدة وجدت فيها سيدات وأطفال بمساحة كل متر تجلس سيدتان ..
ولم أكد أخطو خطوتان حتى أغلق الباب خلفي وأقفله
ياإلهي .. إنه سجن ..
كات صالة كبيرة 12 -7 متر تقريبا مليئة بالكراسي وفرشات النوم المليئة بالناس النائمين رؤوس ورجلين
متعددي الجنسيات عرفتهم من عيونهم وملابسهم ..
وجدت مكانا شاغرا في منتصف الصالة وكان مرتبا عليه شرشف ابيض ، سارعت إليه وجلست فسمعت شهقة كبيرة من امرأة تجلس جانبي … شككت في نفسي هل جلست على طفل نائم أم ماذا !!!….
ونظر الكل إلي ..
وهم يتمتمون بلغات متنوعة غير مفهومة …
ياإلهي ماذا جنيت ؟!!!
لكني لم أتحرك ، حتى جاءت سيدة وحجمها أكبر من الكنبة التي جلست انا عليها وأشارت إلي بإصبع واحد أنْ ( قومي ..!!)
قمت بسرعة وبدون تفكير فقد توقعت أن هذه المرأة هي ( المعلمة صاحبة القاووش كما كنا نرى في المسلسلات وقد كانت في الحمام ساعة دخولي ) هرعت نحو الباب فنادتني سيدة أمريكية (عرفت بعد ذلك جنسيتها ) وأشارت لي أن أجلس بجانبها ..
وبدأت تشرح لي تلك الصور المفزعة أمامي ..
تلك السيدة هي أقدم واحدة في المكان جاءت من بلادها منذ شهر واحتجزوها بالترانزيت ويريدون إعادتها إلى بلدها لكنها لاتملك فلوسا ..
وتلك العائلة من افغانستان ، وهؤلاء من العراق وهناك فتاة ألمانية أيضا تكلم أهلها وتبكي …
المكان للنساء لكن هناك أطفال صبية بعمر العشر سنوات يبيعون بطاقات للتحدث بالهاتف مع اسطنبول أو لشحن الموبايل بخطوط تركية ..أي شي 10 ( دولار او يورو) نفس القيمة …
وهناك هاتف عند الباب للتحدث مع المحتجِزين خلفه ، وهم لايردون دائما وإذا اتصلنا كثيرا فهم يسبون ويشتمون ..
وتلك المرأة العراقية التي تنادي زوجها عبر الحائط (لأن حجز الرجال خلفنا مباشرة) ، وترجوه أن يخرجها بأي طريقة ..وهو هناك لاحول له ولاقوة ..
كانت الأميركية تتحدث وهي غير مصدقة مايحصل وأنا أستمع بنفس الدهشة ، كنت أبكي قليلا ثم أتحدث مع النساء العربيات اللواتي صحين من نومهن على ضجيج الأولاد ..وكنت أضمر سعادة لأن عندي بطاقة عودة لكن الطائرة تعود إلى برلين صباح اليوم التالي ..
كانت ساعات عصيبة ، وكان الناس قد أكلوا طعام العشاء قبل مجيئي وعلي انتظار فطور الصباح ..ولم يكن لدي إلا حقيبة السفر بلا طعام ..
قد أكون نمت دقائق على الكرسي .. لكن لاأذكر أنني ارتحت لو قليلا ..ومضى الوقت بطيئا ..
استطعت الاتصال بالضابطة لأسأل عن رحلتي وردوا علي بأنها بعد قليل ..
الحمدلله .. جهزت نفسي وحملت حقيبتي بانتظار أن يفتح الباب ..وفتح الباب وخرجت لاألوي على شيء ولم ألتفت خلفي ، وأنا في طريقي إلى الطائرة مخفورة مع الضابط رأيت عربة الطعام تتجه نحو الصالة ( السجن ) التي غادرتها ،ولم يعد يهمني الجوع ..
أخذوني وحدي إلى الطائرة وسلمني الضابط( كأنني مجرمة ) لأحد مضيفي الطائرة ودخلتها وكانت مليئة والناس يتذمرون للتأخير وطبعا حصدت أنا نظرات اللوم ،، وكان مقعدي آخر مقعد في الطائرة .. فسألت المضيفة عن حبوب للصداع فنهرتني وقالت أنها مشغولة الآن .. طبعا كنت أبدو كمن ارتكب جريمة وخاصة أنني لم أنم ويبدو علي الإنهاك ..
انتبه كبير المضيفين أنها أساءت لي فأخذها بعيدا وتحدثوا ، فعادت إلي واعتذرت وأخبرتني أنها ستعود بالدواء في الحال ..
وسألني انكليزي بجانبي : لماذا يعاملونك هكذا ؟؟ فضحكت لأول مرة منذ أمس وقلت له لست أدري !!!!
ووصلت إلى ألمانيا ، بلاد الناس التي تفهم ، وتساءل عدة ضباط أمن المطار : ماذا هناك ولماذا أعادوك .. فقلت لهم : اذا غادر المرء تركيا عليه ألا يعود قبل ثلاثة أشهر وقد عدت أنا بعد شهرين وثلاثة آسابيع ( هكذا قالوا لي ) …
تعجبوا وقلبوا جواز سفري عدة مرات فلم يجدوا شيئا ، ثم رفعوا أكتافهم حائرين مستغربين وقالوا : تفضلي .
يوميات روعة درويش
دخلت السجن – روعة درويش