تأنّ قليلًا.. – أمل صادق

تأنّ قليلًا… تَوانى كثيرًا… أبْطئ خُطاك قليلًا… بل تأخّرْ كثيرًا. فلا ضير إنْ لم تحضرْ.
كلّهم أدبروا… كلّهم أخْلفوا، جميعهم تخاذلوا وخذلوا الوعْد. وحده الموت سبق جَمْع الجَميع. واحتدْ.
فلماذا حضرت أنتْ؟
أمهلنا قليلًا. كي نطفو فوق آلام الروح التي أغرقتنا، بل أمهلنا كثيرا، حتى لا تعبث أمطارك بشقِّ خيمة آوت جبالًا من جراح، وأطنانًا من الوجع. احذر، فقد تجرح كبرياء صَبْرنا الذي أعيا الصّبر حدّ الفزع!
ما جدوى دويِّ الرعد، إذا باتت الصواريخ بضجيجها أكثر وقْعًا وأشدُّ تأثيرًا ؟
كل غيث السماء لن يعيد الحياة إلى الأرض التي التَهَمَتها النيران. ولن تعيد لأشجار الزيتون التي بُترت أغصانها، وأُجهضَ ثمرها، ونزف جذعها، بهجتها. تلك القلوب التي تمزقت… وانكسرت… وقُهرت، ثمّ نزحت، لن تُهلّل بك.
فما الذي جاء بك؟
أمي التي كانت توضّب الحياة لاستقبالك كلّ عام، وتُعدّ أشهى أنواع الطعام البسيط بطقوسه الكاملة، ماتت. على حين غفلةٍ، أصبحت الدّار هي الموقد ونحن الحطب!
أخبروني أنها ماتت…ماتت؟ لا بل استشهدت! لا أدري ما الفرق حقّا؟!
لن تٌدرك معاناة أولئك الذين عاشوا القسوة والعذاب في كل ما يحيط بهم، يتشبّـثون بحضن بائس حزين، يشد أزرهم في حُلكة النهار، وحده مَن يمنحهم الدفء. ثمّ يرحل فجأة؟ أين العدل في ذلك؟
إنك تجهل سرّ انكسار الشمس في وهج نفسٍ تهدّم في داخلها حلم الحيــاة. تعيش مكبّلة بقيود من حديد، موسومة بنُدب الغدر والخيبة. هل تُدرك معنى وجع الحياة حين يُصبح الوطن تابوتًا للموت؟
لا تأتي إذن!
النّاجون من القتل… عاثت الريح بأوجاعهم، وانتزعت منهم الخيام، رمت بهم للبرد الذي انقضّ عليهم كذئب ماكر ينهش صمودهم وعزّتهم، يفترس عظام كبريائهم.
فلم أتيت… لم أتيت؟
إيّاك والظن أننا سننشغل بِعَدِّ قطرات المطر! فنحن غارقون هذا العام في عدّ الجثث!
أمطارك لن تُطفئ نار الحسرة والألم… لن تغسل القلوب من وجعها… ولن تُزيل قسوة تلك القلوب الجاحدة! ولن تُعيد لطفل الشتات براءته الضائعة.
أم ظننت أنك ستغسل خطايا الأرض والإنسان؟
هل تمتلك الجرأة كي تُبلل جثثا توارت تحت التراب دون كفن؟
ما الذي جاء بك إلى كل هذا الخراب… كل هذا التّعب؟
ألا يكفيك فصْل الجوع… وفصْل الخوف… وفصل الدّمار… وفصْل المجازر؟
ألا تعلم أن الوجع اختلق له فصلًا أيضًا؟!
غابت الفصول… مثلما غابت الضمائر والعقول، فلا تأتي الآن… لا تأتي أبدا
لا حاجة لنا بمائك الذي سيُبلل جراح أرواح مثخنة بالطعون.
فحتى الذي يُحيينا حينًا… قد يقتلنا أحايـيــن.
@غزة الآن
@highlight

About Abdulrahman AlRimawi

Check Also

لغتي العربية – امنة فاضل

لغتي العربية التي أهيم بها،وأعشق كتبها، وكتّابها، وبلاغتها، وألفاظها التي تشع عاطفة حزن على فقد الأحبة،

تنويه تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط. علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.

%d bloggers like this: