بلون المطر – من ذاكرة الكلمات
أسمى وزوز
سأترك ذاك المنبّه بعيدًا عني، لن أكترث له، وسأغادر فراشي الذي غدا لي حضن هروب لا حضن أمان.
سأغدو بذاكرةٍ أخرى غير التي يعرفها قلبي، ولا التي اعتادتها عقارب السّاعة التي تطاردني بكلّ دقيقة وتنذرني بأنّ الوقت انتهى ولا مساحة لشيءٍ، لا لي ولا لروحي التي تشتاق لذاك الغيم في تشرين.
حتّى تشرين كان قاسيًا هذا العام، وأيلول ترك فيّ كثيرًا من اليباس، كثيرًا من العطب.
لم تكن بيني وبين تلك الأيّام التي ولّت وجهها عني أيّ حميميّة.
سأغادرها بذاكرةٍ دون منبّه، ودون أرقٍ، ودون وجعٍ، ودون “هنا كنّا وهنا غدونا”.
سأطارد ذاك الوقت باحتلالٍ لمساحات قلبي التي اغتصبها الصّمت، وابتلع هدوءها.
سأكون بلا زمنٍ وبلا حقيبةٍ فيها أيّ عنوان.
سأترك كلّ شيءٍ يمضي وحده، ويأتي وحده، ويغادر وحده.
وأتّخذُ من طقوسي التي أوجعتُها بغيابي الآنيّ حضنًا آخر أعود إليه بكلّ شوق.
سأكتب من جديد عن فنجان قهوتي وهو يرسم حروف قلبي، سأرتشف مرارتها وأعانق ذاكرة روحي الأخرى على بعد ضوءٍ ونور شمعة.
سأكتبكم بلا تشرين الضَّجِر، وسأقرأ في ملامحكم أوجاع المنافي فيكم.
سأبوح بها عنكم، سأرسمها خريطةً بتضاريس، لعلّكم ترحلون عنها؛ لتتّخذوا لكم وطنًا آخر تجدون فيه الأمان.
وسأرسم ملامحي دون تلك الخربشات التي كانت بريشة أيلول أو تشرين، وإنّما بلون المطر، لأغنّي أنا وأنتم مع الغيم كما غنّى السّيّاب:
مطر مطر.