اشتعال ضياء النصر – د. أحمد الريماوي

اشتعال ضياء النصر – د. أحمد الريماوي

اشتعال ضياء النصر - د. أحمد الريماوي

 

في بَهْوِ الفُنْدُقِ كان الوَقْتُ ثَقيلاً..كان الحُزْنُ جَميلا

في بَهْوِ الفُنْدُقِ كان الهَمْسُ جَزيلاً

كان النُّطْقُ جَليلاً.. كان الطَّرْحُ عَليلا

في بهو الفندق كان شُعاعُ الصَّمْتِ دَليلاً.. يَسْبُرُ غَوْرَهْ

يُشْعِلُ جَمْرَهْ.. يوقِدُ نَبْرَةْ.. كان بَريقُ الآهَةِ يُرْعِدُ ضَمْرَهْ

 

كان ضِياءُ الفَتى في الصَّباحِ يدانيهِ.. يَحْنو عليهِ

كما النَّحْلِ يَهْفو على الزَّهْرِ..يَسْبي الحُقولا

كان يناجيهِ.. يَأْوي إِليهِ، كما الطَّيْرِ يَأْوي إِلى عُشِّهِ، كي يَنامَ قَليلا

تُحَدِّثُهُ الرُّوحُ في نَشْوَةِ الارْتِقاءِ:غَدًا في الجِنانِ سَتَحْيا

سَتَقْطُفُ رَوْحًا ورَيْحانَ خُلْدٍ..وسَعْدًا مَديدًا طَويلا

 

قال: بِأَنَّ ابْنَهُ كان يُسْكِرُهُ كُلَّ يومٍ بِوَعْدٍ..سَيُثْلِجُ صَدْرَهْ

فما جالَ في ذِهْنِهِ قَطُّ إِلاَّ الأُمورُ البَسيطَةُ..تَخْدِشُ فِكْرَهْ

 

هو الآنَ لم يَبْلُغِ الرُّشْدَ..لم يَأْتِ دَوْرُهْ..

لِعَزْفِ النِّضالِ على وَتَرِ الانْتِصارِ..يُعَرِّي الحُلولا

لِيَكْشِفَ للغَدْرِ غَدْرَهْ.. تَنَهَّدَ.. أَطْلَقَ زَفْرَةْ

ورَدَّدَ: ذاتَ صَباحٍ صَحَوْتُ على نَبَأٍ هَزَّ مِنَّا العُقولا

 

يُبَلْوِرُ هَوْلَ العِباراتِ.. حَرَّ الشِّعاراتِ.. نَوْحَ المَحَطَّاتِ

تَنْعي الشَّهيدَ الأَسيرَ المُحَرَّرَ، مَنْ كانَ في الأَسْرِ لي بينَ كُلِّ الرِّفاقِ خَليلا

فَحَطَّت على الخَدِّ عَبْرَةْ

 

قد اسْتُشْهِدَ اليومَ في القُدْسِ، والناسُ تَهْتِفُ: “بالرُّوحِ.. بالدَّمِ نَفْديكَ”

تَضْوي الجَنازَةُ سِرَّهْ.. تُزَهِّرُ عِبْرَةْ

تَفوحُ النِّداءاتُ بالنَّصْرِ تَحْسِمُ أَمْرَهْ..دَنَا

قال لي باعْتِزازِ الوَفِيِّ: ذَهَبْتُ أُشارِكُ بيتَ العَزاءِ

تَتالَتْ عَلَيَّ مُكالَمَةٌ تِلْوَ أُخْرى تُطالِبُني بالرُّجوعِ

خَرَجْتُ أَحُثُّ الخَواطِرَ، أَضْرِبُ أَخْماسَ ظَنِّي بأَسْداسِهِ أَسْتَحِثُّ الوُصولا

رَأَيْتُ الجُموعَ الغَفيرَةَ.. أَدْرَكْتُ وَقْعًا مَهولا

صَرَخْتُ: ضِياءُ ارْتَقَى للعُلا، والعَدُوُّ المُدَجَّجُ بالمَوْتِ أَضْحى قَتيلا

شَعَرْتُ بِأَنَّ نِياطَ الفُؤادِ..يَكادُ يُقَطِّعُها الحُزْنُ

فالنَّشْرُ زادُ الإِذاعاتِ، زادَ الذُّهولَ ذُهولا

 

فَهَلَّتْ مَواويلُ مَن في الجَنازَةِ تَشْدو:دَمُ الشُّهَداءِ يُنَوِّرُ في عَتْمَةِ الظُّلْمِ فَجْرَهْ

دَمُ الشُّهَداءِ يُضيءُ المَسارَ بِفِكْرَةْ.. تُدَشِّنُ ِثورَةْ

 

هو المَجْدُ نورُ الشَّهيدِ يَطالُ نُجومَ المَجَرَّةْ

هو الشَّعْبُ يَزْرَعُ وَرْدَ العَناءِ..يَفوحُ بِمِسْكِ الجِراحِ..

لِيَنْقُشَ بالعَزْمِ نَصْرَهْ..لِيَفْتَحَ بالصَّبْرِ بابَ المَسَرَّةْ

يُطَرِّزُ في دَفْتَرِ العَهْدِ دَوْمًا:هي القُدْسُ جَوْهَرَةُ التاجِ.. دُرَّةْ

يُسَجِّلُ: أَرْضُ الرِّباطِ مَدَى الدَّهْرِ حُرَّةْ

 

تَبَسَّمَ.. قالَ: صَدَقْتَ، فإِنَّ الإِرادةَ..تَمْحو التَّرَدُّدَ والمُسْتَحيلا

تُؤَجِّجُ جَمْرَ التَّحَدِّي، وتُطْفِئُ نارَ الفِراقِ.. تُعِدُّ البَديلا

تَشِلُّ بِسَيْفِ الصُّمودِ الرَّحيلا

تَمُدُّ سَحابَ السَّكينَةِ في النَّفْسِ..ظِلاًّ ظَليلا

فَقَبَّلْتُ هِمَّتَهُ بارْتِياحٍ، وقُلْتُ: لَنا النَّصْرُ

مَرْحَى لِجيلِ الشَّهادَةِ، مَنْ خَطَّ بالدَّمِ:

كيفَ يكونُ النِّداءُ صَهيلا

وكيفَ يكونُ الدُّعاءُ هَديلا

وكيفَ يكونُ النَّحيبُ صَليلا

مناسبة القصيدة

اشتعال ضياء النصر

“في لِقاء ساخن بعمّان مع الأسير المحرر محمد الريماوي والد الشهيد ضياء، روى لي كيف كان الشهيد يهفو عليه صباح كل يوم قبل استشهاده، وهو يردد: قريبًا سأثلج صدرك، ولأنه لا زال فتى لم يبلغ الرشد لم يخطر ببالي أنه يفكّر بالشهادة، وعندما سمعت باستشهاد زميلي في الأسر ذهبت لأشارك ذويه العزاء، فانهالت عليَّ المكالمات أن أرجع إلى بيت ريما، وما أن رأيت أهالي البلدة بانتظاري، حتى أدركت أن ضياء استشهد، فقلت لهم: ضياء ليس أول من يستشهد ولن يكون آخرهم. ثم تنهّد وقال: لكنني في باطني شعرت أن قلبي يتقطَّع، فانبثقت هذه القصيدة.”

About Abdulrahman AlRimawi

Check Also

يا نخلةً في مروج الريف تعرفني – هاجر عمر

يا نخلةً في مروج الريف تعرفني قولي لهم إنني أنأى عن المدنِ ففي شوارعها زيفٌ يلوذ به خوفٌ،وفي بحرها موجٌ من الفتنِ

%d bloggers like this: