أبو الربيع سليمان الموحدي (532-604هـ)
إعداد وتقديم الدكتورة فطنة بن ضالي
حديث القصيد
شاعر مغربي كان أميرا من أبرز أمراء الدولة،كانت له ثقافة واسعة، وحنكة طويلة وقد أسند إليه مناصب ومسؤولية عالية، جُمع شعره، وهو على قيد الحياة،هو الأمير أبو الربيع سليمان الموحدي، قال عنه الأستاذ عبد الله كنون في كتابه النبوغ المغربي في الأدب العربي:” صاحب السيف والقلم الأمير أبو الربيع سليمان بن عبد الله ابن عبد المؤمن الكومي الموحدي، كان من الكتاب البلغاء والشعراء المجيدين وهو أديب بني عبد المؤمن ونابغتهم الفذ درج في بيت الرئاسة والملك ولم يمنعه ذلك من الاشتغال بالأدب والانكباب على التحصيل فنشا متأدبا أريحيا يتعشق المجد ويصبو إلى العلا”.1
تولى ولاية بجاية ثم تلمسان وسجلماسة وبلنسية وقرطبة، وكان قصره سواء بالاندلس أوبالمغرب منتدى للشعراء والكتاب ورجال العلم شأن قصور الملوك . 2
وقد جمع شعره في ديوان كاتبه محمد بن عبد الحق بن عبد الله الغساني. وعني بديوانه كثير من الدارسين والنقاد والأدباء في العصر الحديث، فقد حققه الأساتذة: محمد بن تاويت الطنجي، وسعيد أعراب، ومحمد بن العباس القباج، ومحمد بن تاويت التطواني، وهو من منشورات كلية الآداب جامعة محمد الخامس بالرباط ،المركز الجامعي للبحث العلمي، تحت اشراف معهد مولاي الحسن للبحوث المغربية .
وقد خصه الدكتور عباس الجراري بدراسة مستفيضة في كتابه “أبوالربيع سليمان الموحدي ،عصره ، حياته وشعره”.3 واعتبره من الشعراء الذاتيين .قال :
“كان ملازما للمجالس العلمية والأدبية التي يعقدها الخلفاء والتي كانت تحفل بألوان مختلفة من المذاكرة في العلم والأدب والطب والفلسفة ” و “كان عالي النفس رفيع الهمة لا يتملق الخليفة ولا يتمسح بأعتابه على عادة أمثاله من الشعراء والأمراء، وباستقصاء ديوانه لا نجد له غير قصائد محدودة في مدح الخليفة وتهنئته، تشكل في مجموع أبياتها أقل من سدس الديوان وهي نسبة ضئيلة لا تضع شاعرنا في طبقة المداحين أو الشعراء الرسميين .وتجعلنا نعتبره من فئة الشعراء الذاتيين الذين أكثروا القول في الوصف والغزل.”4
يقول أبو الربيع في فراق الأحبة :
فسروا وما قضوا لبانة عاشق | ألف الغرام وحــالف السـهـــدا | |
ما ضرهم لو أسعفوا بـتـــحيـة | يحيون من أودى بـهـم وجــدا | |
لم يبق منه بعادهم إلا صــــدى | قدحته أنفاس الــهـوى زنــــدا | |
يا ظاعنين وبين أثناء الـحــشا | قد خـيـموا وإن انــتحوا نجــدا | |
لا تحسبوا أني كلفت بـغــيـركم | وجــدا وأنــي خنتكم عـهـدا | |
وما ذاك من شيم الكرام وإنني | أرعى الذمام وأحــفــظ الـــودا | |
إن كان هذا الدهر حالف صرفه | فينا البعاد وأظــهــر الــحــقدا | |
وتعــصـبـت لـفـراقـنا أيـــامــه | وتــجــمـعــت لــقتـــــالنا جندا | |
فالله يــخــلـف ظنــه ويديـلنــا | وصــلا ويــنـظـم شــملنا عقدا |
صور الشاعر إحساسه تجاه أحبته بأمانة وإخلاصبتلقائية التعبير و سلامة اللغة وقوة الألفاظ مع قوة الإيقاع الداخلي الى جانب الخارجي، حتى قيل عن غزله ” غزل رقيق عفيف لا يبتعد عن اللفظ الشريف، والغاية النبيلة، يكشف عن عاطفة عميقة تفتحت لحب وهبه الشاعر قلبه فنعم به حينا وقاسى منه أحيانا كثيرة .”5
قال مخاطبا نفسه من زهدياته :
يا نفس حسبك ما فرطت فازدجري | عن الـــذنوب فإن القـــبر مثــــواك | |
خافي الالــــه لما قــدمـت من زلــل | واعصي هــــــواك فإن الله يــرعاك | |
إن الهوى قلما تـجــدي هــوادتــــه | وهو الذي عن سبيل الرشد أقصاك | |
إلى م تلهــيــن عن قــولي مغـالطة | وتـــوقـــنين بــأنـــي غــــير أفاك ؟ | |
أصغي إلـى فما في الأرض من أحد | ألـــقــي إلــيه صـــريح النصح إلاك | |
تـــوبي إلــى الله إن الله يــقــبــلــها | واسعي بــجهدك في تحسين عقباك |
عاطفة دينية صادقة وإيمان قوي راسخ في عذوبة الأسلوب وسهولة اللفظ وشرف المعنى مع صفاء الخاطر. يصدق عليه قول ابن رشيق في أحد الشعراء ” كان أملح صنعة، أحسن مذهبا في الكلام، يسلك منه دماثة وسهولة مع قرب المأخذ،لا يظهر عليه كلفة ولا مشقة “.6
ومن زهدياته أيضا :
إليك إلهي قد قصدت بـــــحـاجـتـي | وحسبي أني قـد قــصـدتك راغـبا | |
قصدتك لما أثقل الــذنـب كـاهـلـــي | فلا ترجعني مخفر السعي خـائـبـا | |
أجرني من أوزار غـرقـت بـبـحرها | وخذ بيدي إني أتــيــتــك تـائـبـــا | |
وعجل خلاصي إنـــني بــك عــائــذ | تعوذ من أضحى من النــار هاربا | |
فما زلة إلا وعــفـــوك فـــوقــهــــا | وإن كنت في الزلات أرتـع لاعـبـا | |
وما أحد أرجو لـــكــشــف مـلـمتــي | سواك فبلغني الذي كـنـت طـالـبـا |
ابتهالات ومناجاة في مقام الاعتراف والأوبة إلى الله تعالى بصدق العاطفة وحرارة الرجاء، في انكسار تام للنفس أمام عزة الله عبر فيها الشاعر عن أمله في التوبة.
وخلاصة القول في شعر أبي الربيع سليمان الموحدي، كما يقول الدكتور عباس الجراري ، إنه كان صادق الشعور صافيه … كان يستعير معانيه فينفث فيها من روحه ويحملها من تجربته العاطفية ما يبعث فيها قوة وعذوبة تجعلان القارئ يأنس لما تفيض به من نبضات ويرتاح لما هي عليه …فجاء شعره مزيجا من سمات أدب هؤلاء وهؤلاء، فيه جزالة المشرق وبساطة المغرب ورقة الاندلس7.
الهوامش :
- النبوغ المغربي ، ص132.
- الديوان ن ص13.
- عباس الجراري ، دار الثقافة ن الدار البيضاء، ط2، 1984.
- المرجع نفسه ، ص149.
- دعوة الحق https://www.habous.gov.ma/daouat-alhaq/item/1802
- العمدة في محاسن الشعر ، دار الجيل ج1، ص 130.
عباس الجراري، ص 238.