قلوب ربيعها دائم – أمنة فاضل

قلوب ربيعها دائم – أمنة فاضل

قلوب ربيعها دائم - أمنة فاضل

نَعُودُ كُلَّ مَرَّةٍ وَالْعَودُ أَحْمَدُ..إِلَى سَمَاءِ الرَّبِيعِ السَّاحِرَةِ وَالْمَاكِرَةِ.
تَسْحَرُنَا بِجَمَالِهَا، وَتَخَدَعْنَا، بِتَقَلُّبِهَا، تَمْلِكُ عَصًا سِحْرِيَّةً؛ ففِي غُضُونِ ثَوَانٍ تَقْلِبُ مِنْ صَفَاءٍ إِلَى دِهَاءِ.وشَمْسِ لَطِيفَةَ هِيَ الْأُخْرَى تُمَثِّلُ دَوْرَ الْفَتَاةِ الْخَجُولَةِ الَّتِي تَتَوَارَى خَلْفَ الْغَيْمِ، بَعْدَمَا أَظْهَرَتْ فِتْنَتَهَا الْمُسْتَعِرَة ، وَحَرَقَتْ الْكَثِيرَ مِنْ الْافْئِدَةِ.
مَازَالَتْ الْغَيْمَاتُ مُكْتَنِزَةً،وَتَحْمِلُ الْهَطْلَ بِأَنْوَاعِهِ،وَرُبَّمَا تَلِدُ ثَلْجًا
ربيعيّا خَوْفَ اتِّهَامِهَا بِالْعَقْمِ.
أمّا أزهارُ اللَّوْزِ الْمَوْسِمِيَّةُ، تَنْتَظِرُ هَذَا الْوَقْتَ؛فتَفُورُ فَوْرَةً وَاحِدَةً،
وَتَهْدَأُ بَعْدَهَا،فِي رِحْلَةِ الْمَخَاضِ السَّرِيعَةِ،وَالِإنْجَابِ الْمُبَكِّرِ لِلَّوْزِّ ثُمَّ
الِانْسِحَابُ قُبَيْلَ نِيسَانَ، تَارِكَةً أَوْرَاقًا فَقَطْ، تَشْهَدُ عَلَى حَيَاةٍ قَصِيرَةٍ
تَضِجُّ بِالْجَمَالِ الْفَاتِنِ.
أَزْهَارُ الرَّبِيعِ هِيَ الْأُخْرَى تَحْمِلُ بَيْنَ ثَنَايَاهَا رِسَالَةً : أنِ اسْتَمْتَعُوا بِجَمَالِي قَبْلَ فَوَاتِ الْأَوَانِ؛ فعُمْرِي قَصِيرٌ جِدًّا، وَلَا أَمْهِلُ التَّائِهِينَ وَمَنْ أَضَاعُوا الدُّرُوبَ دُونِي.
عَوْدَةٌ لِسَرَاحِ الْمَوَاشِي وَصِغَارِهَا،الَّتِي تَهِبُ الْحَيَاةَ لِلْمَرَاعِي حَتَّى بِالْتِهَامِهَا للْبِسَاطِ الْأَخْضَرِ ذِي الرَّائِحَةِ الطَّيِّبَة؛ بِمَا حَوَى مِنْ زُهُورٍ وَأَعْشَابٍ عِطْرِيَّةٍ، وَأُخْرَى تُؤْكَلُ وَتُوضَعُ عَلَى الْمَوَائِدِ.
الْأَخْضَرُ لَوْنُ الْحَيَاةِ،شِئْنَا أَمْ أَبَيْنَا،حَيَاةٌ فَوْقَ الْأَرْضِ بِكِسْوَتِهَا.
وَحَيَاةٌ مُخْتَزَنَةٌ فِي بَاطِنِهَا.فمَازَالَتْ التُّرْبَةُ مُخْتَلِطَةً بِمَاءِ الْمَطَرِ الَّذِي يَغُوصُ فيها؛مَاعَادَ لَهُ هَوًى فِي الْمُكُوثِ عَلَى السُّطُوحِ، بَيْنَمَا تَنْتَظِرُهُ الْبُطُونُ.
مَازَالَتْ أقْوَاسُ الْفَرَحِ تَظْهَرُ،وَرُبَّمَا لَا تَنْتَظِرُ مَغِيبَ سَابِقِهَا،فَيظْهرُ الِاثْنَانِ مَعًا أَحَدَهُمَا يتَّجِهُ لِلأفُولِ، وَالثَّانِي يتّجِهُ لِلْحُضُورِ، بِفِرْقٍ زَمَنِيٍّ قَصِيرٍ. تُرِيدُ الِاحْتِفَالَ عَلَى طَرِيقَتِهَا، بِأَبْرَزِ حُلَّتِهَا فِي أَوَاخِرِ حَفْلِ الشِّتَاءِ؛ فَقَدْ أَصْبَحَتْ الْفُرْصَةُ قَلِيلَةً لِالْتِقَاءِ الْقَطَرَاتِ بِضَوْءِ الشَّمْسِ وَانْكِسَارِهَا.
افْتَقَدَتُ (الدَّحْنُونَ) الْأَحْمَرَ؛ فلَمْ يَعُدْ يَمُدُّ بِسَاطَهُ الْأَحْمَرَ كَمَا كَانَ هَلْ خَجْلًا،أَم انْتِحَارًا،أَمْ اخْتِبَاءً؟ لَمَحَتُ زَهْرَتَيْنِ فَقَطْ، وَتَعَجَّبَتْ مِنْ وُجُودِهِمَا دُونَ الأقْرَانِ فِي مِنْطَقَةِ الْغُرَبَاءِ؛ فَلَمْ تَحْظَيَا بِالِاهْتِمَامِ الْوَاجِبِ.
مَازَالَ اللَّوْنُ الْأَصْفَرُ مَعَ الْأَخْضَرِ، هُمَا الْقَوِيَّانِ؛ يَحْتَلَّانِ مُرُوَّجًا كَثِيرَةً وَيَفْرِضَانِ لَوْنَهُمَا عَلَيْهَا.
أَمَّا النَّسمَاتُ اللَّطِيفَةُ،تَهُبُّ بَيْنَ فَيْنَةٍ وَأُخْرَى،تُخْبِرُنَا بِوُجُودِهَا،وَأَنَّ مَوْسِمَهَا قَدْ حَانَ. فَهَا هِيَ قَدْ تَهَذَّبَتْ، عَنْ فَصْلِ الشِّتَاءِ فَأَصْبَحَتْ نَاعِمَةً بَعْدَ جَبْرُوَتِهَا. وَقَرِيبًا سَيَحْكَمُ عَلَيْهَا الصَّيْفُ بِالسَّجْنِ حَتَّى يَعْفُوَ عَنْهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَيُسْمَحَ لَهَا بِالتَّجَوُّلِ.فَاغْتَنِمُوا لطَافَتَها وَابْدَؤُوا بِإِطْلَاقِ الطَّائِرَاتِ الْوَرَقِيَّةِ الَّتِي تَبْتَعِدُ عَنْ الْأَرْضِ، لِتَصِلَ إِلَى عِنَانِ السَّمَاءِ، حَامِلَةَ الْأُمْنِيَاتِ مَعَهَا.
حُقُولُ الْقَمْحِ الْمُعْطَاءَةِ، وَسَنَابِلُهَا الْبَاسِقَةُ لَدَيْهَا ثِقَةٌ بِنَفْسِهَا وَعَطَائِهَا تَتَرَاقَصُ مَعَ حَرَكَةِ الرِّيحِ، تَوَافُقًا، لَا نِفَاقًا.
أَمَّا النَّحْلُ الَّذِي مَلَّ مِنْ الْبَيَاتِ الطَّوِيلِ خَرَجَ لِيَجْمَعَ الرَّحِيقَ لَا تَكَادُ قَدَمَاهُ تَمَسُّ الْبَتَلَاتِ، فِي طَيَرَانِهِ الْغَرِيبِ يَدُسُّ نَفْسَهُ دَاخِلَ الزُّهْرَةِ وَيَنْسَى نَفْسَهُ. كَانَ يَتُوقُ لِهَذَا الِانْغِمَاسِ مُنْذُ أَشْهُرٍ خَلَتْ.
هَا وَقَدْ حَانَتْ فُرْصَتُه؛ ثُمَّ يَعُودُ مُتْخَمًا، وَمَحمِّلًا بَطْنَهُ بِالْعَسَلِ.
الْعَصَافِيرِ وَقَدْ أطْلقَتْ حَنْجَرَتُهَا فَصُدَحَتْ بِأَجْمَلِ الْأَلْحَانِ..عَادَتْ لِلْقَفْزِ بَيْنَ الأَغْصَانِ.
الطَّعَامُ لَهُ مَذَاقٌ خَاصٌّ مَعَ جَمَالِ الْأَجْوَاءِ،وَالتَّمْشِيَةِ أَيْضًا، وَكَذَلِكَ الْقَهْوَةُ فِي الْأَكْوَابِ الْوَرَقِيَّةِ تَحْمِلُ وَجْهَ الْخَيْرِ، وَجْهًا وَاحِدًا لَا يَتَحَوَّلُ، فَمَحْسُودَةٌ هي تَجْلِسُ بِقُرْبِ الْوَرْدِ، ثُمَّ تَحْمِلُهَا الْأَيَادِي الْجَمِيلَةُ.لتُصْبِحَ سُكّرًا..ولَوْ أنَّهَا مَااحْتُوَتْه.
سِحْرُ الرَّبِيعِ..يَزْدَادُ بِوُجُودِ قُلُوبٍ خَضْرَاءَ تُشْبِهُهُ وَصَدَاقَاتٌ مَرَّ عَلَيْهَا جَمِيعُ الْفُصُولِ وَبَقِيَتْ رَبِيعِيَّةً، مُمَتَدَّةُ الْجُذُورِ، لَا تَشِيخُ أَبَدًا مَهْمَا طَالَ عُمْرُهَا،لَمْ تَتَأَثَّرْ وَلَمْ يَبْهَتْ لَوْنُهَا، وَلَمْ تَتَأَرْجَحْ، وَلَمْ تَصْفَرَّ.
لِيَحِين حَصَادُهَا،حَتَّى لَوْ وَقَفَتْ كُلُّ الْمَنَاجِلِ فِي وَجْهِهَا،تَسْتَعْجِلُهَا
لتَنْقَضَ عَلَيْهَا.
هُنَاكَ رَبِيعٌ دَائِمٌ، لَا تَحْرِقُهُ شَمْسُ الظُّرُوفِ، وَلَا يَنْقَضِي عَبْرَ الزَّمَنِ فَهَنِيئًا لِرُوَّادِ الرَّبِيعِ، وَحَامِلِي تَفَاصِيلِهِ بَيْن أجْنَحَتِهِم ، وَمُسْتَشْعِرِي السَّعَادَةِ فِيهِ.
(آمنةفاضل)

عن abdulrahman alrimawi_wp

شاهد أيضاً

رسالة معلمة إلى المجتمع المحلي – د. نجاح القرعان

رسالة معلمة إلى المجتمع المحلي بقلم الدكتورة نجاح القرعان نحلة واحدة لا تجني العسل، والمدرسة وحدها لا تحقق الهدف بخاصة إذا تعلقت الأهداف المأمولة بمحور العملية التعلمية ( الطالب) .

%d مدونون معجبون بهذه: