سفانة بنت ابن الشاطئ 26 يونيو، 2021مقالاتالتعليقات على في ضيافتي / بقلم: سفانة بنت ابن الشاطئ مغلقة432 Views
حوار خاص مع السيدة كورونا بقلم: سفانة بنت ابن الشاطئ
منذ أكثر من شهر وأنا في حوارٍ جاد و طويل مع سيدة متعجرفة اسمها السيدة كورونا، ولم تنتهي أبعاد هذا الحوار للآن، كانت البداية في 19 – 5 – 2021 حيث أرسلت لي أول رسائلها مع يمامة نصفها أبيض و نصفها أسود، أستلمتها منها لكنني بسبب انشغالاتي الكثيرة لم أقرأها بل اهملتها ووضعتها على طرف الطاولة، كانت الحرب على غزة لم تنتهي بعد، لذا في نشاط مكوكي طوال أربع وعشرين ساعة لم أذق فيها طعم النوم إلاّ ساعتين أو ثلاثة، وكنت أيضا أعد لتقديم الحلقة الأولى من برنامج ” فلسطين نبض الحرف والقلب ” على إذاعة سقيفة المواسم مع مؤسسها الإعلامي عبد الرحمن الريماوي وكان سيبث مباشرة يوم الجمعة 21 – 5 – 2021 مساء . تواصلت طبعا مع عدد من الشعراء المتميزين من وطننا العربي ليشاركوا بقصائدهم التي حملت مشاعرهم الصادقة لفلسطين وهم : الشاعر حسن عبد العزيز بوشو/المغرب- الشاعر وليد حرفوش/لبنان – الشاعر صالح هندي/السعودية – الشاعر محمد قاضي/مصر – الشاعرة جميلة سلامة/فلسطين – بالإضافة لمشاركة الفنان المصري طارق حسين،
لكن كما يقال “تجري الرياحُ بما لا تشتهي السُفنُ”، فقد كان للسيّدة كورونا تخطيط آخر، لذا أرسلت لي – مساء وقبل يوم من العرض- سربا من الغربانِ كل منهما يحمل رسالة لعضو في الجسد، فبدأت الأوجاع تتالى، وجع شديد في الرأس، شوك انغرس في البلعوم غير الصوت وعرقل عملية البلع، ساعات فقط تقدمت القشعريرة بثوبها الثلجي تفرض حضورها أتت الحمى بعدها تختال بعباءةٍ حمراء مزركشة، وقررا معا الإقامة الطويلة في الجسد، ومع مرور الوقت تناسلت أوجاع عدة كوجع في المفاصل ووجع بالعضلات، وبعض الضيق في التنفس خاصة حين يثور السعال محاولا القبض على الحنجرة ليفتك بها، ويسهل الهجومَ على الرئتين، بالإضافة لغياب حساتيّ الشم و التذوق.. وأنا في دوامة الوجع استوقفتني أسئلة كثيرة ماكدت أدرك وجود السيدة كورونا فبادرت و سألتها:
لم اخترتيني دون باقي أفراد الأسرة وأنا أقلَّ من يخرج من المنزل، وقليلة الإحتكاك بالناس، ودائمة الإهتمام بوسائل المقاومة لمكافحة جنودك،
نظرت إلي نظرة ساخرة وردت علي بتكبّر:
ألا تعلمين يا عزيزتي أنّي أعشقُ الأجساد التي ضعُفت مناعتها، وفي جدارها المناعي خللٌ بسبب انخفاض مستوى الفيتامين، فجدار قلعتك متهالك يسهل اقتحامه ..!!!
حزنت كثيرا من وقاحتها، وغرقت في مستنقع القلق، أسأئل نفسي وأردّد:
هل فقر الفيتامينات في جسدي يجعلني هشة بهذا الشكل، و يجعلها متأكدة من الفوز علي؟
توقف الحوار الداخلي ليسودَ الصمت، قاطعته بضحكة شامتة وقالت:
تباين القوة بيننا تجعلني أشعر بالنشوى، وأتأكد أن حسم المعركة سيكون لصالحي ومن أول جولة ..
وقبل أن تكمل لملمت شتات بناتَ أفكاري و قلت :
أحيانا الثقة الزائدة في النفس والغرور تعطيا نتائجا عكسية، وكما يقول المثل عندنا وأشرتُ للسماء: ” يُوضع سره في أضعف خلقه”
ظهر عليها بعض الإرتباك، فاعتدلت بجلستها بعد أن كانت مسترخية و قالت:
أرض الوغى ستُظهر المنتصر بيننا، فاستعدي يا عزيزتي لهجومي العنيف، وسأرى حينها ما نفع سلاحك
مرت أيام عدة حاولت خلالها استخدام شتى الأسلحة المسموح بها لمواجهة هذا الجيش العدواني، إعتمدت على سلاح الغرغرة، و استنشاق البخار بنكهات عدة، أكثرت من السوائل الدافئة والحارة، كالمشروبات والحساء الذي يحتوي على قيم غذائية مهمة، التزمت بشرب العصائر الطبيعية، تناولت فيتامينات منوعة أهمها فيتامين س و فيتامين دال، وفي الساعات المحددة إلتزمت بتناول الأدوية التي تخفف حدة الألم، كان الهجوم شديدا والوجع صعبا لكنني صمدت وقاومت وبدأ جيش السيدة كورونا بالتراجع في تمام اليوم الثالث عشر ، حينها شعرت بالأمل يتسلل لروحي وفرحة نسبية تجتاحني بخجل، بحثت لثلاثة أيام عن السيدة كورونا لم أجدها، لم أكن أعلم أن السيدة ترمقني من بعيد وتتوعدني بهوجوم مفاجئ تثأرَ لكرامتها وتصيبني بانتكاسة قوية، وبدأت بهجومها العنيف والمزدوج في اليوم السابع عشر من المرض جعلتني أشعر بخلل في توازن جسدي، أرفعُ الراية البيضاء أوستسلم لها كليا، وتكررت محاولتها لدفعني في ثغر للموت، وفي ثاني يوم من هجومها وقفت أمامي و أنا أعاني ضيقا حادا في التنفس وقالت وبسمة صفراء تسبق حروفها:
أينَ ذهبت إرادتك، و اختفت مقاومتك، أين أسلحتك أراها قد تكسّرت أمام قوتي…. خدعتي نفسك وباكرا توهمت الفوز..
وأطبقت بيديها على جيدي لتخنقني وتهز جسدي بالحمى وراحت تردد لم لا تردي .. هيا ردي علي
هذه المرة كانت الهجمة الإرتدادية أقوى بكثير مما توقعته، فقد شعرت فجأة بضيق شديد بالتنفس بل بعدم قدرتي على التنفس كليا، لذا لم أستطع الرد والأوكسجين يأبى الولوج لشُعَبي التفنسية وللرئتين، كانت يداها القويّتينِ تضغط أكثر وأكثر حتى كاد النفس أن يتوقف تماما وينقطع معه أيّ أمل لي في الحياة، لذا كان لابدّ من تدخل اسعافي سريع واستخدامي لجهاز التنفس الإصطناعي ليساعد لعله يرفع يدها عن عنقي ويدفعها بعيدا، أسبوع مر علي كأنه دهرا، اعتقدت خلاله فعلا أنني راحلة عن هذا العالم وللأبد، لكن كان لايزال في العمر بقية مر الأسبوع أقلّ خطرا حتى بدأت أشعر بتحسن نسبي وكان مستمرا والحمد لله، ومع مرور الوقت حققت فوزا خجولا أمام عنجهية السيدة كورونا، فاستشاطت غضبا و قالت لي :
ألن تستلمي، لماذا أنت متمسكة بهذه الحياة الكئيبة، هل نسيتي معاناتك من الغربة، ومن ظلم بعض الأحبة و من خذلان بعض الأصدقاء أو من توسمت فيهم خيرا،
حاولت استجماع بعض القوة للرد عليها فقلت لها :
الحمد لله حمدا كثيرا فهو الذي قدَّر لي أن أعيش وأن أبقى أكثر على وجه هذه الحياة، فمهما كانت إرادتي قوية فإرادته هي الأعلى والأبقى، أما الأمل فهو مولود فينا مع أول بصيص للنور في فجر كل يوم، وبين شعاع شمس تأبى الإستسلام للغيم فترسل رسلها الذهبية من خلاله أو من بين الفراغات التي تتشكل تلقائيا، من زهرة ياسمين تقاوم هبوب الريح وثورة المطر، من سنبلة حبلى بالخير تميل نعم لكنها لا تنكسر، من قمر يسبح في بحر الظلام فيكون للسماء العلامة الفارقة، يُشكل سمفونية جمالية ساحرة تعزفها النجوم بانسجام لتطرب عشاق السهر…
تغيّرت ملامحها الخضراء لتصبح مائلة للسواد، وقالت:
الآن عرفت أسلحتك الحقيقية والتي خبئتها عني، ولهذا استطعت أن تخرجي من المعركة بأقل الخسائر.. ما أدهاكم يا معشرَ البشر.. فقاطعتها قائلة:
هذه ليست أسلحة بقدر ماهي إكسيرٌ يُواكبُ النبض في الشريان فمنذ الولادة بذور الإيمان تُغرس في سويداء القلب لتزهر تباعا،
دار الصمت بيننا وكأن كل منّا يعيد حساباته، فندهتها باسمها لتلتفت لم سأقوله:
سيدة كورونا بالله عليك لم لا ترحلي من عالمنا وتعودي إلى مثواكِ، ألم تكتفي بما فعلتِ وهذا العدد الكبير من الضحايا، من كلّ هذا الهلع والقلق والرعب الذي تملّك كلّ البشر، متى سترحلين عنّا للأبد؟
ضحكت هاهاهاهاهاها ماذا قلتِ أرحل وإلى الأبد…!! أأنتِ ممن يحلمون أحلام اليقظة في رغد؟؟؟ كيف أغادر وأكتفي بهذا العدد…فأنا جئت لأقيمَ عرساً في كلّ بلد وأرقص “الفالس والتانغو ” في كل جسد، و أفتكَ بأسلحتي الشيخ والولد..
حزن كبير خيّمَ على المكان، و قهر تسلّلَ للوجدان، وحسرة تصاعدت مع كل زفرة وحرف قالته باستهجان، واستعدت للمغادرة، تتباهى بغرورها غطرستها، فقلت :