عبدالرحمن ريماوي 5 أكتوبر، 2020قراءالتعليقات على صوت صمت/ جهاد قراعيين مغلقة431 Views
ذات غروب يوم طويل كطول ثوب عروس ليلة زفافها، كنت أمخر عباب بحر الحياة وكأنني وريقة واهنه تئن بين الامواج، أسافر معها وتنزلق قدمي في حقول رابضة على موانئي العتيقة ، كنهر رقراق يرافقني ظلي في متاهات ضبابية عاصفة ، لملمت الشمس أثوابها المزركشة ليغرق بعدها الليل بهدوء وصمت ، ليرتمي آخر شعاع لها على نقطة ماء هاربة ، لتشعل اقداح اللهب عند عتبة جدران قلبي ، ليجن القمر في عناق ليقبض على آخر لون أرجواني مرتجف من زخات لحظات صمت رهيبة ، والقلب متعثر مبعثر في نيران قبل قرمزية مشتعلة ببقايا قرص الشمس ، تغرز أنيابها الحادة في لحظة تأمل ، تتقافز في مساماتي أنفاس متسارعة كطفل جائع ، وافكاري تسبح في مد بحر هاديء لأجر أقدامي عبثا وسحب داكنة اللون ، وكأن هذه الليلة حبلى بأسراب فراشات قضت نحبها مفتعلة بكاءا حميميا تواسي فيها صرخة الليلة ولفتتها الصماء ، لتحملني نسائم الخريف القادم الى كهف قلب هش ، ارتعشت قدماي وجسدي وكأن امطارا غزيرة مجبولة بملح الصخر لتداوي جراح الليل .
مرت دقائق شغوفة تخيط الجروح دون بنج ليزهر الياسمين الازرق العتيق ، تمايلت مع النسمات أراقصها رقصا ناعما بوضع كفي على كتفها ، ويد أخرى خفية تمتد من رأس نافذتي تلتف حول خصري ، ورأسي في دوخان، خف وزني لا شعوريا وبلا وعي عبرت الى أرضية ستائري المبرقعة وكأن فراشات الليل ألبستني شالا من دموع لامعه ، وخلخالا رنانا من خرزات ملونة عشقتها بخصلات صبية غجرية تعبث بها في غرة رأسها .
سمعت من بعيد صوت ناي شجي كأنه زاحفا من السماء العاشرة ، كانت الريح ترتجف من شدو وجد عبرت معها بوابات بحيرات الشوق والحنين بصدفة الدهشة التي أصابتني ، وعلى لسان حالي نمت كلمات وفاضت انتشارا كالمشروم طوعا على لساني في ثغر ندي لا غضاضة عليه ان قبل ندى الزهر ، وفِي رأسي ألف ورقة بيضاء تلوح لقلمي ، فامسكته بحذر خوفا من ارتعاشة في جوفه ليذرف الحبر تباعا مدونا كلمات نبتت ونمت داخلي ، وكأن فصل الربيع أزهر في خريف متدلية سيقانه جفافا ، رغم شغفي الذي هزني في رهبة بدأت أخط حروفي رغم تعثري قليلا والصمت مثلجا اكثر من فصل شتاء قاتل ، وريح تقتحمني وتزمجر داخلي عواءا بكل قسوة لهدمي.
كنت أسبح في مد كمد البحر ، والموج الهائج يفتك غرقا بأحلامي رغم ربيعي النابض المزهر بلونه الاصفر ، وكأنني عندما تقطف أناملي أزهارًا تنبت كلمات في فمي ، فتجفل إنامل قلمي تنبهت لاحلامي فرسمت زهورا في حدائق قلبي فالاخضر سيقانا ومن قاني اللون في شقائق النعمان صبغت شفتين بلون يميل الى الارجواني كحناء الصخر، ، خطوات مثقلة تارة ، رشيقة تارة اخرى .
أنيقة الثياب كعادتي رزينة خطواتي وصلت الى صوت ضجيج ناي وصخبه الحزين ، صادفت صديقا لم المحه منذ زمن بعيد ، فتحت الذراعين وضممته بكل حواسي وبذراعية المفتولتين ضمني وأنفاسه ، أرهقته برائحة عطري المجنون وبقينا معا حتى ارخى الليل سدوله بعباءته السوداء مرشحة بخيوط فضية نسجت من خيوط قمر بدر ، تمشينا على حواف ذكرياتنا حتى وصلنا الى غابات ظلالها وارفة في زمن مضى وتراتيل حب وعشق شفيف بيننا ، سرقت نظرة الى مقلتيه والبؤبؤ اللامع داخلها بقوة كان يحدق بي وكأنه صقر يتإملني بدقة ، سال برقة عن الخال الذي رسمه على خدي الايمن ذات ربيع وقبلة على الايسر ، قلت وتلابيب الورد من خجل خدي وما زلت اقول …….؟؟؟
هذه الصدفة أعادت سنوات شقاوتي ونذرت يومها ان لا أتعدى هذا العمر المجنون ، فقلت يا صديقي لا تحسب لي عمرا من ارقام وسنين فالصدف تمر كالسحب من طرف ثوبنا لتبقى احلامنا كالعصافير تطير ،ضمني الى صدرك واحضني مطولا لان العمر في سباق مع الوقت وهو قصير .