بين تعتيم وتضليل ،وبلبلة أخبار ، مهموسٍ بها همساً شحيحاً هنا وهناك …أجد نفسي في اجتماعات طارئة لا فِكاك منها مع أن الوقتَ وقتُ عملٍ .. مُحْنَقَةً أحشر نفسي بين زميلتي المعلمتين الدائمتَيِ التذمُّرِ .. في حضرة خطاب يستهل بدقيقة صمت والشعارات المعهودة
مستنفذا صوته مدير المدرسة . بقراءة التوجيهات الجديدة في ظل التغيرات الطارئة …وكلما زادت حدة كلماته انفعالا …تصبح اذني اليسرى هدفا لفوهة سخط زميلتي وهي تهمس ..(طبعا خائف على كرسيه هذا الفاسدالمتسلق) أرد عليها في الحال (العفن )…ونضحك سرّاً منه …وعندما يظهر الورع الأخلاقي على خطابه تشرع زميلتي في الذكر والدعاء كأنها في وسط دائرة حضرة من الدراويش الهائمة في ملكوت الرحمن تتمايل نحو كتفي وأذني اليمنى وتتمنى بأن يُطْفِئها الله بنوره….فأشاركها رافعة كفَّيَّ الى السماء وأغمز لها بعيني حيث يرف لي جفن يعلن لها موافقتي الحصرية ..
وفي ختام المشهد الإحتفالي
تأتي التحية الحزبية على عجل ومن ثم الانصراف.
• المساء
مع جارتي الفلسطينية اللبنانية، نشرب كوبين من الشاي بالميرمية …ننفث الضجر والرتابة بحرارتهما….غير أن تفرُّسها فِيَّ وكلاماً توشِك أن تَنْبِس به كلُّ أولئك جعلني أتوجس وأتنهد مستفزة صمتها مطالبة إياها بالفضفضة….فتمسك بيدَيَّ الاثنتين وتقول أنت عندي غالية جدا كابنتَيَّ …أريدك اليوم أن تتّخذي حقيبة صغيرة تجمعين بداخلها (جميع أوراقكم الثبوتية…شهادتكم الجامعيةوبيان اللقاحات الخاصة لاطفالك )..أرمقها بنظرة استهجان مستخفة بوجلها….فتشد على يدي بقوة، وتفيض علي بذاكرتها……وتحدثني مطولا عن هول الحرب الاهلية الذي شهدتها في لبنان…..وتعود لتطالبني بالحرص الشديد على إخفاء هذه الحقيبة في مكان آمن ضمان حِيازتِها وعدم تركها حتى حالَ حدوث مكروهٍ ..
•الوضع الجديد
وبالفعل بدأت الأحداث بالتصاعد .تظاهرات سلمية.. اطلاق نار ….اغلاق المدارس ….قطع طرق …..لتعلن حربا شعواء بين الأخوة ….و.بارتياب شديد كنت أترقب حلمي بتغيير واقع الحال و تحت سقف لم أكن أحتاج لثقبه….فارتطمت…ورميت هولا في زاوية ضيقة لاتصلح حتى لبيت عنكبوت خائفةمذعورة من الكم الهائل للبشاعة المتسارعة.
• 💫الحي الذي اسكنه
في غمضة عين ..اكتظ المسجد المقابل لشقتي بالنازحين الهاربين من المناطق المجاورة …وتكدست العائلات بعضُها فوق بعض في البيوت …وأضحى الانتماء لمكان ما أو مدينة مشتعلة عارا يجب عدم الإفصاح عنه .
وفي ظل هذه الحالة الهستيرية فقدت منطقتي هدوئها وهواءها النقي ..وأمسينا في صراخ مستمر مشبع بالشتائم والكلام البذيء…ومجتمع تكشفت فيه بشكل فاضح هشاشة علاقاته الاسرية …..فصار حالُنا مثل حالِ بعض الورعين الواردةِ قِصّتُهم في كتاب المثنوي (لجلال الدين الرومي )الذين وصلوا بلاد الهند بعد رحلة تفكر وتأدب حفاة جائعين ليتلقوا تنبيها بأن يأكلوا من أيِّ النباتِ شاؤوا لكن عليهم ان لا يأكلوا فيلا….لكن المحظور الذي تجنبوه بورعهم ومراءاتهم فضحته شهواتهم فاجتمع المنافقون على فيل صغير وأكلوه الا واحدا منهم .. فأقْبَلَتْ عليهم أم الفيل الضحية كلهم ما عدا الذي امتنع ، وشرعت في تقطيعهم واحدا تلو الآخر، والهِياجِ عليهم هيجا عنيفا يُغذِّيه نَفاذ رائحة صغيرها من افواههم ، وهكذا امسى مجتمعنا الجميع مستعدا للممنوع بفتاوي كثيرة الا مارحم ربي…والجميع تأذى……
• عذابات يومية
وفي مسرح الظل هذا …يتصدر المشهدشخصيات زاد وزنها في غفلة ..فأمسى بائع الغاز بموكب وحاشية يمنح ويمنع كما يشاء …وشعر المجندون المتطوعون بالزهو وهم أصلا عديمو الخبرة والأخلاق وكانوا يُمْضون وقتهم في الأزقة تارة في تصويبِ بنادقهم كأنهم في ساحة وغىً وتارة أخرى في إثارة إهتمام الفتيات لاقتناصهن وجلبهن إلى مخادعهم في ملهاة مشبعة بالرغبات..بين حياة مشتهاة وموت وشيك
اما رغيف الخبز فقد عز واستكبر وصار سعره اضعافا في حال لم يكن لديك معرفة بأصحاب النفوذ الجدد …فالفرن صار أشبه بقاعدة عسكرية يمنع الاقتراب منه أو حتى التصوير…..وهكذا اشتدت على الناس الضغوط وتعاظمت المشكلات….من غير انتهاء ..جنازات يومية…اعتقالات من البيوت من العمل وحتى من الطرق….حواجز تقطع الأنفاس ….. خطف واختفاء قسري لحساب جهات مجهولة متخفية وغالبا لايعود من عندهم أحد … ناهيك عن أصوات الانفجارات اليومية القاسية وتأثيرها التخريبي على هلع النفوس قبل مصير الحجر….. ليحوم كلام الماغوط في ذهني في كتابه( سأخون وطني )حين تطلق اذاعة ٢١ صوت فيروز معلنة ضياع شادي ليرد عليها الماغوط ساخرا فقط شادي….نعم ياسيدي جميعنا ضعنا في الكل والكليلة….وأمسينا فزاعات حقل في مهب ريح عاتية لاقمر يضيء عتمتنا ولا قطرة ماء تبل به عطشنا……وعندما سخرت ياسيدي من مؤتمر دعوك اليه لحقوق الانسان العربي صححت لهم أن لاحقوق للعربي لعلهم كانوايقصدون الانسان الألي….والأحرى كان عليك اسقاط الانسنة عنا أيضا .
طريق المطار _6
لم ننتظر أحدا ليودعنا.. وأكتفينا ببعض التحايا المقتضبة مع الأهل والأصدقاء راجين منهم الدعاء كاتمين مافي انفسنا من حزن …ومع سائق حافلة صغيرة، اخترناه لما يشاع عن قدرته الخارقة في تجاوز الطريق الى المطار دون تمكن أحد القناصة من رمينا.
فانطلقنا برفقته..كان فعلاالرجل المناسب للمهمة المناسبة….سائق مستهتر أرعن يدخن ويغني طوال الطريق..ناشرا البهجة والامبالاة جزافا….فتتسلل لوثةُ نشوتِه في أنفسنا فاستسلمنا لخدر لذيذ….وشكرناه على زفة العرس المجنونة هذه التي ماكنا لنحظى بهاحتى في يوم زفافنا
• ٧_في صالة المطار
وقد بدا التململ في وجوه المسافرين بعد ساعات انتظار مريبة تخللتها اشاعات عن تعطل الطائرة …ليصححها آخرون أن التعطل سيكون بكامل المطار وقد يخرج عن الخدمة في أية لحظه بسبب استهداف طائراته…ومع هذا الدبيب المفزع…فتحت أبواب الصالة بأفواج من الجنود القادمين من معركة وكل منهم يحمل سلاحه وعاهة في جسده…لفافات في رؤوسهم والاكتاف…كسور بالأطراف وجروح مفتوحة تفوح منها رائحة الدم الواخذة…….ويكتظ المكان بالتوابيت وأشباه الموتى…ومع هذا الحضور أختنق بدموعي…وآسف على الوطن وشبابه.. وأشيح بنفسي بزاوية بعيدة أتأمل الصور في هاتفي…لأتفاجأ بالاشارة تومض في هاتفي على غير العادة بعد انقطاع طويل للاتصالات الخلوية…فأجري مكالمة كنت أرغب في إجرائها منذ زمن مع صديقة قتل زوجها في المعارك ….فأخبرها على عجل انني في المطار مغادرة…وسألتها عن حالها بعد المرحوم…فتسهب باجابة لم أتوقعها عن الكم الهائل من الرجال الذين يعرضون عليها الزواج بدعاوي كثيرة…فمنهم من يصرح باعجابه و هيامه السابق وآخرون يرودون ستر شرف الشهيد اكراما له….وحثتني باصرار على تفسير هذه الظاهرة التي ارقتها قرفا وتشويشا…فأجبها ممازحة علها تكون على رأي الكاتب الطيب صالح في روايه (مواسم الهجرة للشمال )ان الفلاح المنحرف لا يشتري حمارةالا اذا كان لها قبله صاحب وضحكنا….واردفت أن تحليلا رن صداه في ذهني مستوحيةتفسيره عن رواية (العطر ) للكاتب الألماني باتريك زوسكيد…هو الأقرب للحالة العامة بوجهة نظري …. تطالبني بالتوضيح…فأحدثها عن نهاية روايته حيث أن واحدا لم يكن له رائحة انسانية كباقي الناس فقام بقتل خمس وعشرين عذراء شديدات الطهر والجاذبية بطريقة ما وجمع عبقهن الساحر الطاغي وصنع منه عطرا خاص به ……وبمقربة مني أظن أن نساء الشهداء منحن شرفا وعطرا بموت أزواجهن قد … لم يكن ليسعين اليه … ….وبالعودةللرواية تكون نهاية هذا القاتل الساحر بعطره نهشا من قبل مجموعة من اللصوص أحسوا بنشوة كبيرة بعد اكله لسبب جهل لديهم وهذا ما يفعله بعض الرجال الذين ينهشون أعراض الشهداء بشهواتهم مستبدلين بذلك شرف ساحات القتال منتصرين منتشين بشرف النكاح من ارامل الشهداء…… تصيح موافقة .. تقديرا لجموحي ونضحك …
• القاهرة ٧-
في هذة المدينة تتقزم قامتك وتصبح ضئيلا في حضرة هذا الازدحام وما يرافقه من ضجة …وتضيع في كثرة الوجوه المارة بك …..وقبل ان تغرقك بنيلها والحب….تهرب بخذلانك القديم ملبيا نداء النداهة الصحراوية مسحوبا الى مصير آخر …ضبابي مجهول.
٨-في السلوم
..باتجاه ليبيا….تصفع البوابة في وجهنا وتخنق فينا الرجاء وتمنعنا من العبور…فنتكوم على حقائبنا في منتصف الليل وحدنا عالقين في الحدود، مائلة عنا عيون الحرس خجلا أم حزنا لم أكن لأدري…الأ أن المرارة ورجفة البرد والخذلان جعلاني اهذي بقصائد محمود درويش وأتجرعها حزنا واحدة تلو الأخرى (جواز سفر _كم كنت وحدي .وغيرها ممن كانت تشرح حالة فلسطيني على الحدود ) في ليل طويل مبهم حزين …
• ٩_مرسى مطروح
في سيارة لانوافذ لهاو برعايةبرد كانون الذي نخر عظامنا، تهنا في ليل السلوم نبحث عن نزل ننام فيه وعبثا كان سعينا…وبعد أن عجز السائق حتى عن فتح باب المسجد..اقترح علينا المبيت في بيته….الا أننا تمنعنا عن كرمه لا خوفا بل إحساسا منا بمسيسِ حاجتِنا لمكان نبكي فيه….إلى أن برق وميض سيارة أجرة ذاهبة الى مرسى مطروح….فأقَلَّتنا …ومع انبعاث أولْ خيوط الفجر أصبحنا في شقة بأجر يومي بتوصية من السائق..حامدين الله على سلامة رافقنا بها غرباء أمناء..
• ١٠-رحلة الى المجهول
وشت الشمس بوجودها..بعد نوم طويل متعب….وقادتنا مكبلين بكدرنا باتجاه البحر قاذفة جسدينا المنهكين فوق صخرة تلتطم بها الأمواج
متواريين بأنفسنا عن أعين العشاق السارحة حولنا في فضاء جميل يرسمون عليه أحلاما ووعودا …..وفي حين أصبح لكل صخرة ذاكرة في يومها اسعدتها أم اتعستها…حيينا صخرتنا نبلها في تحمل عابري طريق اثقلوها هما وغما .. ..بلقاء وحيد ووداع أخير….فنصبح من بعده داخل حافلة جماعية صغيرة مع سائق مصري بوجه بشوش محبب في رحلة جمع فيها اغرابا لم يتعرف الواحد بالآخر الا بعد ان ضاق صدر (أوسة)السائق بنا ذرعا لما كان يبدو على وجوهنا من يأس وكآبة …فراح يرفع صوت الموسيقا البدوية الخاصة بمدينته ويصفق ويخلط الاسئلة بالاجوبة..وينادي الصعيدي بلهجته ويحدثنا بلهجة المسلسلات الشامية بطريقه فكاهية مضحكه وبخفة دمه أبتهج الطريق وانفرجت اساريرنا وفتحت حقائب المسافرين في تبادل بهيج للاطعمة .فكان لاطفالي النصيب الاكبر من الطيبة المرافقة لنا واكلاتهم…
مع هذا التناسي المفتعل رحت اتنهد..سارحة بفكرة واحدة فقط..بأن الله لم يتركنا من قبل ابدا ولن يتركنا من بعد وبهذه الثقة بأمانه ..حلت السكينة وغفوت…. لاستفيق على همسات عسكري يوقف حافلتنا ويتمتم مبتسما(الله معكم ..رايحين عشان لقمه العيش فنعلق في مقلته موجها كلامه لنا من سوريا ?)ليبتعد بعد سؤاله مشيرا للسائق بالمضي …كان طريقا معبدا وسط صحراء خالية الا من قطع جيش مترامية هنا وهناك…..الى ان وصلنا لاستراحة مهجورة منضمين فيها لخمس حافلات تحمل نفس صفات حافلتنا .وعندها أخذنا (اسة ) على جنب وأوضح لنا سير الرحلة وبأن مهمته ستنتهي بوصولنا الى سيوا وهناك سيتولى أمرنا (اولاد علي )وقد أكد على شرفهم وأمانتهم وأربت على كتف زوجي مطمئنة ان كل شيء سيكون على مايرام…
• ١١ سيوا
وفي حين بدأت الشمس بالانكسار وكأنها عدلت عن رعايتنا….حللنا مع العتمة في واحة نخيل لا يظهر منها الا بقع ماء صافية يسكنها قصب متعالٍ جامح…ولا صوت فيها يعلو على نقيق الضفادع..وكأننا وطأنا موطنا لمخلوقات خفية لا تراها بل بتشعر بحركتها..أجلسونا بسكون في بيت طيني جدرانه متهالكة سقفه من سعف نخيل كثيف …وحظروا علينا الهمس …
وكأنهم كانوا يخافون من أفعى ضخمه تسكن السقف قد تستفيق بجلبتنا وتأكلنا….وبهذا المكان المقيت المرعب أستسلم لاغفاءة مشتهاة …..ألملم بها أحضان .عائلتي….أرتب شقتي بخفة ..امسح غبار التحف…انسق الكتب بمكتبتي…..أسلم على الجارة….أصل لمدرستي …أصحح الدفاتر…أقرأ النشيد…أمر بعدها بدرويش يبيع الخضار….أختار أجودها….ادندن اغنيتي……. الا أن اللحن خنق واستبدل بهمهمة تأمرني بالانسياق خلفها….ومن غير رضا داخلي وتوجس أقدمت على المضي بالرحلة .رغم نداء اخير أطلقه زوجي في اخر لحظه يطالبني بالعدول والعودة… الا انني اومأت له بأن قدرنا قد حسم مع اول فكرة جاءت بنا إلى هنا… وحالنا صار كحال المجندالبريطاني في قصة للكاتب أوريل… الذي دفع من غير اقتناع إلى قتل فيل اشيع أنه هائج ….فكذب يقينه . وسط حشد مائج ينتظر منه القيام بفعلته…..
• …. الرحلة
ودفعنا صفوفا منقسمين لجماعات تبعا لاسم سائقنا …ولخاطر طرأ عليهم طالبونا باعتبارنا فلسطينين وسوريين اعطاءهم اسماءنا الكاملة وكان عددنا عشرون من أصل سبعين…وما كنت لأعلم أية جهة سيفيدها معرفة أسماء غرباء سيعبرون المجهول في غير رجعة…. ليوضح لي همس من الخلف أن هذا الاجراء هو ميثاق يتعهدونه على انفسهم للاخبار عنا إن كانت رحلتنا في غير رجعه ابدية… وبهذا الكلام أصبحت كخرقة بالية تعتصر خوفا وندما ….ومع هذه الحالة المزرية التي ألمت بي ظهر لي جني رشيق بلباس طويل أبيض لم يكمل من عمره العشرين…..ويطالبني بالصعود الى عربته الكبيرة ذات الدفع الرباعي والجلوس بمقدمة السيارة أنا وأولادي…..وقادوا الرجال بطريقة مهينة الى خلف العربة وأجلسوهم بطريقة القرفصاء واحدا بظهر الآخر…لينطلق من فوره بيننا الجني بخفة لم أعهدها مستغنيا عن نور عربته مستهديا الطريق بتقدير فارس خبرالصحراء وعلاماتها ….وان كنت لم أر منها غير فضاء واسع مظلم …..وتضيق الرؤية ويزداد غبَشها مع الانخفاض الكبير لدرجات الحرارة….فيتلاشى غبشُها بكلمتين من الجني حين أحس بوجلي وصراخي الداخلي..فهو من الجن الذين يسترقون السمع وعلي ان لا أجزع..سأل لمَ وضعتم أنفسكم بهذا الموقف….أجيبه بكلمة….الحرب …تنهد وأضاف ستكونون بخير باذن الله…توكلي عالله وحده….وبالفعل أصبحت بحضرة داخلية أدعو الله فيها وأذكره بأسمائه المنجية…وما ان بدأت بقراءة أية الكرسي حتى توقفت السيارة واختفى الجني وسط سحابة من الغبار المتطاير….فوجلت وتداركت الخطأ…. ولمت نفسي …ووبختها..لعل الجني قد اختفى أثر قراءة القرآن…..الا انه ما لبث أن عاد وودعنا….معلنا انتهاء مهمته…..في هذه النقطة التي لا اشارة فيها .ولا علامة….ونزلت وسط اسطول سيارات مكشوفة من الخلف والسبعون ..سيوزعون عليها مدفعين.من قبل رجال بأسلحة طويلة ….ويصبح مكاني انا والاطفال مرة آخرى بجانب سائق….أو انه جني غير مؤمن …. متلفح بالسواد ….وتبدو على حركاته القسوة.. لم يظهر منه الا عينان فحميتان صغيرتان…….وينطلق الاسطول كل باتجاه….وسط صحراء لا اتجاه بها….ومع كل ساعه تمضي نعود ونلتقي بباقي السيارات وينزل الرجال المتجمدون بالخلف في استراحة مضنية تنتهي بدقائق….ونعاون الانطلاق مع هذا الجني بموسيقاه الصحراوية بلغة الامازيغ…..وبينماكنت ارتب في ذهني سيناريوهات موتنا…بردا …او عله سيقتلنا ببارودته التي تجلس بيننا….أم سيلقي من بالخلف ويخطفنا…….وماذا سيحصل ان تركنا فوق هذه الكثبان وذهب …
الا أنه نسف حبل أفكاري الوضيعة…بقذف كيس من الاكلات المغلفة المحببه في حجر ابني طالبا منه الاكل مع اخواته….وما ان انتهوا حتى راح يعبث معهم ويقرب بعض الاكلات ويبعدها بمداعبة طفولية شقية ليمنحهم من بعدهاكيس أكبر من الحلويات الشهية …..وبانبثاق نوارني عظيم منحتها شمس الصباح…أصبحنا في مزرعة بأشجار وارفة نفترش ارضا ندية…..فقدَّم لنا سمنا ساخنا وحليبا …فتنبث أول كلمة مِن فِي مهندسٍ غزاوي أوووف اخيرا وصلنا رغما عن البرمجة الخاطئة للرحلة.. نحن الآن في ليبيا…فيضيف من بعدها رجل بالخمسينات قضى نصف عمره معتقلا عند الاحتلال الاسرائيلي…نعم وصلنا تحت سطوة السلاح وظروف قاهرة وليل لاشيء كان فيه معقولا…لكن الى أين …ليردف زوجي وهو الطبيب الجراح…موضحا نعم كان لزاما علينا اجراء العملية …فقد عجزنا عن استطباب آخر لكننا وصلنا لأمل ما.. تنهدت وقلت يالها من صحراء إنها عالم خاص غامض جردتنا من جميع ماعلق بنا سابقا وأنجبتنا من جديد بعيون أوسع ونظرة مغايرة…نعم هذا ما تحدثت به اميرة سمرقند حين القاها والدُها وزَوْجَا الأشعثَ الأغبرَ في صحراء لتعود من بعدها انسانة آخرى راضية مستغنية عن غرورها وعنادها…وبدأنا من جديد ….حياة تحفها أهوال ونجاحات…ولم تنتهِ رحلتنا بعد فمررنا ببلاد عديدة وخضنا قصصا وحكايات مثيرة…وتعلمنا منها أننا لم نأت لهذه الدنيا لنبقى…والطريق قد يطول..ووجب علينا لزاماتخفيف حملنا والاكتفاء بابتساماتنا العابرة وتحايا العيون….وأن لا يكون التعلق بأمر دنيوي حكما علينا…لنمضي خفافا آملين بوصول نهائي آمن .