لم يبق إلا ذكريات .. سفانة إسماعيل شتات

تبدو خيوط الشمس المنسابة كسنابل متمايلة تطل على صفحة وجهها المشبع بالكآبة، تتحرك بملل شديد ، تراوغ مداهمة رُسل الصباح وهي تنفض عنها غطاء السرير ، تتوجه إلى الحمام تجر معها طابورا من الأحزان وبضع تساؤلات تشي بخيبة ماضية لا تزال تقتات على بعض أمل يلُوح في عينيها من بعيد… كعادتها لم تطل البقاء ، فهي ملزمة بتلبية دعوة إفطار من إحدى الصديقات في مطعم على شاطئ البحر … في عجالة توجهت نحو الخزانة تنتقي هنداما محاولة تجاهل كل ما تختزنه الذاكرة من ذكريات ملونة علقت بياقة ملابسها أو ذيلها لذا فلا غرابة أن تعاني الشحوب ؛ فكل مشجب يحتضن ذكرى ، وكل ذكرى تجتث لحظة سعادة عاشتها ، ألوانا رسمت تفاصيل حياتها ، وخطتْ سطور دفتر يومياتها . عبثا حاولت لكنها لم تنجح في دفعها بعيدا لحظة صافحت عيناها ثوبها الأزرق الملكي ، كان رمزا للقائهما الأول ، فقد وهبته لهما الصدفة ليحوِّل مجرى حياتها من خلال إيماءة سلام ونظرة عابرة تكفّلت باحتلال مساحة من تفكيرها ، وانشغال دقات من قلبها الرقيق… بعيون متوجسة لمحت طاقمها الأخضر الربيعي تأملته لثوان معدودة كانت كافية لتتسع ذاكرتها بالزاوية الجنوبية من مطعم الأكلات البحرية الشهير… أو ” ركن الإعتراف” كما أحبا أن يطلقا عليه معاً ، كان هو الشاهد على نقطة البداية.. تلك الذكريات الوافدة رغما عنها دفعتها تدريجيا للفستان الترابي ذو الملمس الحريري والمطرز عند الأكتاف بخيوط ذهبية، تنهدت بعمق ، وأغمضت عينيها و الأسى يكاد يقفز من أهدابها المتعانقة فقد كان يمثل لها فستان التفاؤل و الحظ الجميل ، بل هو رمز الأمل في حياتها … حاولت تجاهل القطرات الأولى من الدمع ،و أشاحت بنظرها بعيدا خلف تلكـ الذكرى ، لكنها سرعان ما اصطدمت بأحداث ما فتئت تهرول خلفها و طيف تلك اللوحة البديعة التي رسمتها بريشةٍ حالمةٍ أعادتها ليوم كان فاصلاً في حياتها حيث غمرها لأول مرة بالسعادة حين منحها فرصة التربع على عرش قلبه وبعدها تقدم لخطبتها .. يومها ارتدت ذات الفستانٍ الذهبي المشع بالضياء و الحيوية ، و الذي زادها جمالاً و ألقا وفي لحظة نشوى وضعت بصمتها على صفحة الشمس لتشرق في حياته باستمرار وأضحت حديث الأهل والأحبة … يا الله.. جاءت بعد تنهيدة من الأعماق ..وأسدلت عينها على تلكـ الذكريات ، تحلق على جناح حلم ليتسلل صوته يداعب لحظاتها اليائسة برقة النسيم..حطت ابتسامة خفيفة على شفتيها المزمومتين لم تلبث أن غادرتها حين علقت مآقيها بطاقمها الفضي الموشح بالأسود ..!! أعادها عنوة لواقع مُرّ يحمل إليها ألم الفراق وتفاصيل تلك الليلة القاسية.. مشاهد كثيرة تستبيح حواجز الوعي بطريقة همجية، تسترجع خلالها أول لحظة خصام بينهما، حين احتلت الغيرة مساحة الفرح ويتحول لحزن وألم ؛ مواقف مكررة ساهمت في إخماد وهج ذلك الحب.. استسلمت للحزن وحاولت إغلاق باب خزانتها لكن الثوب الأبيض الراكد هناكـ خلف الفساتين المعلقة فرض حضوره و زهوره الهادئة تتهادى بألوانها في انسجام أخاذ على امتداده فرضت حضورها بقوة ، لكن ذلك البياض الساحر استحال لسوادٍ يجتاح القلوب ، تلك الزهور البكر استحالت لذبول حين روتها ذكرى تلك الليلة الحزينة ، جدال في مكان عام ، غيرة وشك تلتها صفعة من يده اليمنى أغلقت كل منافذ الأمل في وجهها.. خارت قواها أمام هذا الكم من المشاهد المتتالية ، انهمرت دموعها كزخات المطر تلهب جراح قلبها أكثر و أكثر ، وهي التي أخفت طويلا ثورتها تحت دثار الكبرياء ؛ أغلقت الخزانة بانفعال هستيري، وتراجعت بضع خطواتٍ للوراء ليسقط جسدها النحيل على السرير ويختفي تحت الغطاء من جديد ؛ فقد انعكست هذه الرحلة المريرة في دهاليز عقلها ليفيض نهر من الحنين يثبت مدى تعلقها و إصرارها بعدم الارتباط بغيره رغم ارتباطه بأخرى ، قرر عقلها الباطن الرحيل لعلها تظفر بلقائه ولو من خلال حلم يداعب ذاكرتها المرهقة ، لكنها لم تكن تعلم أنها تسلم جسدها المتوهج بالوحدة لتطفؤه، وإلى اليأس ليغلق مياسم روحها……………… وامتطت صهوة الموت في رحلة أخيرة..!

امزيد من اعمالها

About عبدالرحمن ريماوي

Check Also

 زفة عريس – اكرام اسطى

زفة عريس بيت حليمه الليله ما انطفت انواره, مهو بيت عريس وبيت العريس بيبقى مثل المناره بوسط البلد , وكل الحبايب بتلفي تاتهني وتبارك وبالفرحه تشارك واليوم الحبايب بدهم يزفوا العزيز ابن

%d bloggers like this: