كاتم الصوت.. بقلم رائدة الطويل
عبدالرحمن ريماوي
6 ماي، 2019
الطويل, قراء
615 Views
ما الذي جعل الأمة ترتع بالسفح وهي خاشعة لله، مستغفرة له، داعية على أولئك الذين طُردوا من الجنة رغم أنهم يرفلون بنعيم القمة أيما نعيم؟ لا جواب لدينا سوى نظرية المؤامرة التي أثقلت عقولنا و لاوعينا، وأراحت ضمائرنا من النبش والتنقيب في سلة المهملات التي نضحت بخيباتنا الملازمة، وتكدست بهزائمنا المتلاحقة، وتزخرفت بالمثالية المفرطة التي لا نفتأ نتشدق بها، وبمسابحنا المعانقة لأصابعنا المكبلة المرتجفة، ولا حول لنا إلا أن نستر عوراتنا بورق التوت المهترئ، وأوراق تاريخنا غامر الزيف.
كم اكتظ الفراغ الذي صرنا ندور بفلكه بالشعارات الملامسة للمشاعر، وبالهتافات المحشوة بالبطولات الوهمية، وبخطب التقريع والوعيد المخدرة لمحاولات الخروج من عنق الزجاجة شديد الضيق، فيما ازدادت الأمعاء الخاوية صبرا، والأكف العاجزة تضرعا إلى الله، والقلوب المكلومة بالضعف لعنة على أعداء الأمة.
كم من الاستعباد والظلم بُرر باسم الدين، وكم من قطيع انساق وراء أكذوبة الزهد والتخلي عن متع الحياة، وكم من الأفواه كممت وهي ترنوا إلى حياة أفضل، فصار الفقر صبرا، والرضا بهموم الحياة وشقائها إيمانا بالقضاء والقدر، والسكوت على الألم المبرح طلبا للأجر، والخنوع زهدا، والحياة بكل معانيها وجمالها بذخا وتركا للآخرة، ورفض الواقع المرير تمردا على حكمة الله وأمره.
كم أصبحنا نتقن تقمص الأدوار الملائكية، وعبادة القشور، ولبس ثوب النزاهة، ونحن في الواقع ممتلئين بالثقوب التي تسرب جهلنا، وتأخرنا، واستعبادنا؛ نحن الشعوب “الدمى” التي تتلاطم مع ذاتها، الفارغة فكريا، المكبلة ثقافيا، المعبأة بالخوف من وجع النهوض، الهاربة من التغيير بألف استغفار يفرج الهم، ومن منظومة الأخلاق والقيم بمئة تسبيحة تمحو التجاوزات والذنوب ولو كانت كزبد البحر، ومن واجب الإحسان بتكرار ورد يعادل عتق عشر رقاب، وإطعام عشرين مسكينا، ومن تجاوزنا لحدود الله والأمة وأنفسنا بحِجة تعيدنا كمن ولدته أمه.
إن الأمر الأكثر بشاعة هو أننا فرطنا في القرآن، وجعلناه عضين، رغم ثرائه بأوامر الله التي تحثنا على التفكر وتوظيف عقولنا والعمل والعطاء، وسلمنا رقابنا للذين نصّبوا أنفسهم ولاة أمر؛ رعاة يقودون الفكر والمصير، ويعرون الأمة من حلم النهضة والسعي لأجلها، ويحابون القرآن خفاء؛ بوصلة الفكر المكتمل، والعمل البناء.
كم من آية قرآنية حثتنا على التفكير، والتأمل واستعمال العقل، كم مرة خاطبنا الله سبحانه لاستعمال عقولنا بصيغة التوبيخ “أفلا تعقلون”، “أفلا تبصرون” “أفلا يتفكرون” “فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور”.
هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟ هل يستوي الذين يعلمون واقعهم ويقرؤونه بتعقل، والذين لا يعلمون إلا استهلاك ما تنتجه عقول غيرهم الفارغة المتسلقة؟ هل يستوي الذين يعلمون أن الدين حياة وجمال ومتعة وتفكر وعمل، والذين يعلمون أن الدين سيف وعذاب قبر وزهد وتأخر؟ هل يستوي الذين يعلمون أن الله خلقنا لنعمر الأرض بالعلم والأخلاق والقلوب السليمة، والذين يعلمون أن الله خلقنا لنقاوم خذلاننا وانهزامنا بالدعاء والاستغفار والهروب إلى مكة بعمرة أو حجة؟
من زيّف الحق؟ من برر أوجاع الكادحين؟ من روّج الفكر الانهزامي؟ من أجبر التاريخ على لفظنا؟ من قتل الأمة بعد أو وضع الدين ككاتم صوت على فوهة البندقية التي أمعنت في قتل الأمة برصاصات التأخر والاستعباد ورفض الحياة والإرادة المسلوبة والحريات الضائعة؟
ننام ونصحو على حلم ثورة “فكرية أخلاقية” تنهض بنا من القاع المظلم، الممتلئ بتكاثر بكتيريا الجمود والاستسلام، ثورة تنفض عقولنا من خوفها من النهوض، ثورة تلملم همتنا وتشحذها كي نكون أمة تعتد بإنتاجها ومقومات نصرها الدينية والمادية والمعنوية والفكرية والأخلاقية، ثورة تعيد لنا مجدنا لنكون “خير أمة أخرجت للناس”.
Like this:
Like Loading...
Related