ضوءٌ من زمنٍ رقيق
“وقفت اطلع . .شايفتهم عند باب بيتنا وانا في حارتنا مع اولاد حارتننا..متجمعين في نص الحاره عند عامود الكهرباء.. منلعب طماي…يلا ..يا ريما ..يلا ..خلصينا كان دوري”
كان هذا المقتطف من نصّ جميل للسيدة ريما نايف حماتي،
بنت حارتنا،
أخذني إلى ذاك الزمن، وذاك العامود،
حيث الحنين يسكن الضوء، وتفوح الذاكرة من تفاصيل صغيرة.
عامود الكهراء
له حكاياتٌ وذكرياتٌ لأبناء جيلي،
يقف في الحارة كشيخٍ يعرف وجوهنا،
ويحفظ ضحكاتنا،
ويخبّئ في صمته أسرار اللقاءات الأولى.
تحته درسنا،
وتحته انتظرنا من لا يجيء،
وإليه نلوذ حين يثقل القلب بغيوم الصِّبا.
كان الضوء الأصفر ينساب على وجوهنا كدفءٍ من زمنٍ رقيق،
تغنّيه الحجارة وتؤمن به الجدران.
كنا نخطّ على الأرض أحلامًا صغيرة،
ونقسم أن نبلغها،
ثم نضحك لأنّ الليل أطول من الوعود.
كبرنا،
وبقي هو،
يضيء الحارة للغرباء كما أضاءها لنا،
كأنّه لم ينسَ أسماءنا،
ولا خطواتنا المترددة في العتمة.
عامود الكهرباء…
ليس جمادًا، بل ذاكرةٌ من حديدٍ ونور،
ما زال يلمع في القلب كلّما مررنا به،
يذكّرنا أن الطفولة ضوءٌ لا ينطفئ،
وأنّ الحنين — مهما خفت — يبقى كهرباء الروح.
ما أكثر ما مررنا به،
وما أقلّ ما انتبهنا أنّه يمرّ بنا…