زوجة مجنونة شقية / رجاء فوزي

استيقظ الساعة الثانية ليلاً، فوجدها تقرأ إحدى الروايات، نظر لها مبتسماً ثم قال: وما هي الأحوال هذه الليلة؟
اشارت له ليصمت، فضحك ودخل المطبخ ليشرب الماء، جلس على الطاولة وظل ينظر لها مبتسماً، كانت تقرأ وبعض الدموع تنساب على خدها، فلم يستطع العودة للنوم وهي على هذا الحال.
انتظر دقائق ثم جاء وجلس أمامها ووضع يده على الكتاب: يكفي لهنا..
ما أن فعل هذا حتى وضعت كفيها على وجهها وانهارت بكاء..
ضمها محاولاً تهدئتها والضحكة بالكاد يستطيع كتمها: مجنونة مجنونة، تبكين من رواية!
لو سمع صوتك أحدهم الآن لظن أن زوجك قد مات، لا سمح الله طبعاً..
ضحكت بهستيريا ثم عاودت الانهيار مجدداً،فذهب وأحضر كوب الماء وأخذ يغسل وجهها وهو يقول: بسم الله.. بسم الله حتى توسدت كتفه وهدأت..
قال مداعبا وهو يمسح على وجهها: كل الرجال يغضبون زوجاتهم ويبكّونهم إلا أنا.. وظيفتي في الحياة أن أمسح دموع الروايات عن وجهها..
ضحكت وقالت: عمر..
قال: عينه
قالت: أريد أن أطلب منك شيئاً..
قال: أي شيء إلا أن نخرج لنمشي بهذا الوقت!
رفعت نفسها عنه وقالت متوسلة: بربك، أشعر أني بحاجة لذلك جداا
-اهدأي حبيبتي، الساعة الثانية بعد منتصف الليل!
فقالت متحمسة بهمس: هيا، لن يشعر بنا أحد من العائلة دعنا نهرب..
ضرب وجهه قائلاً: هذه نهاية من يتزوج من مجنونة روايات مثلك!
قالت وهي تضحك: هيا هياا
قال: أوأرى هذا التوقد في عيونك لأمر وأرفضه!
تبا لك..

فقال متحمسة: ولي ولي ولي
أحلى زوج بالدنيا..
فقال متجبدا: دعيني أتوسل لك أن أنام..
فقالت وهي تجره من يده: لا دوام لديك غداً ستنام قدرما شئت..

خرجا، كان الجو ماطر بشدة، وكانت كما فراشة المطر تتمايل بتنغم تحت السماء، قالت: أريد أن أغني..
قال ممسكا بيدها: اقتربِ مني وغني بصوت منخفض..
قالت: أريد الغناء بصوت عال
توقف وقال: نعود للبيت!
ضحكت قائلة: لا لا حسنا لن أغني الآن..

سارت بجواره قليلاً ثم قالت: عمر..
– ها عزيزتي..
– لماذا تفعل هذا معي؟
– ماذا أفعل!
– أنت طيب جدا.. لا تشبه الرجال الذين لطالما استعددت للقائهم قبلك..
أتدري..
أنا لا أحدث أحداً عنك، ولا حتى أمي وإخوتي
أخشى أن يحسدني الناس عليك فأخسرك!
لا أريدك أن تتغير، أرجوك..

صمتت قليلاً ثم قالت:
الجميع يقول أن الزوج يتغير بعد الخمس سنوات، وأن وجود الأطفال يحول الزواج لكابوس..
أنا لا أريد أطفال ولا أريد أن يتغير هذا الذي أعيشه..
أريد أن تظل دوماً وحدك كل أسباب سعادتي..

– عزيزتي، أوستظلين صبية للأبد؟
أوسأظل شابًا للأبد؟
أو سيظل وضعنا المادي جيدٌ كما هو الآن للأبد؟
ثم أخبريني ألم نتعذب طويلاً حتى استطعنا أن نصل لهذا الزواج!
ولنصل لهذا الشغف وهذا الود وهذا الحب..
ألم تصبري، وتوفري معي مالك لنتمكن من سد متطلبات زواجنا..
لكن انظري الآن كيف يشعر كل واحد منا أنه قد وجد المرفأ الآمن الذي لا رغبة له بمغادرته..
لن نشعر بالنعم إن لم نفقدها قليلاً..
لا قيمة للفرح إن لم يكن مسبوقا بالحزن
والفرج إن لم يكن مسبوقا بالضيق!
نحن يا عزيزي لا نملك الغد، لكننا نملك حبنا وصدقنا له!

– أويعقل أن يتغير هذا!

– أويعقل ألا يتغير!
لكن، إن مرضتُ غداً وقصرت بك، سأكون على يقين أن زوجتي لن تجعلني أشعر بعجزي، فلطالما كنت وسادة دموعها، وإن صرت مزاجية وعصبية سأتذكر براءتك وأنت تبكين لقراءة رواية..
سنتغير، كل شيء سيتغير، لكننا سنحتفظ بحبنا ليشحننا حين تضيق بنا الظروف..

– كلامك مطمئن جدًا..
لكن..
تنهدت وقالت: ماذا.. لو أحببت يوماً امرأة أخرى غيري..
وقف أمامها وقال:
– اسمعيني جيداً..
ربما كل الرجال يكذبون، وربما أكون كذلك..
لكنك تعلمين جيداً أني أخاف الله رب العالمين، وها أنا أقسم لك والله شاهد عليَّ أني مهما ساءت بي الأمور لن أخون قلبك..
إياكِ أن تعيشي وتزرعي في حياتنا هذه الوساوس والشكوك..
انظري لحياتنا فقط، ولا تعامليني بم سمعت ورأيت من الرجال..

ضمته وقالت: وأنا أعدك أني سأحملك في قلبي ما حييت، لا حرمنيك الله حقاً..

مسح على حجابها ثم قال: حفظك الله لي..

رفعت نفسها عنه وقالت وهي تمسك بيده وتنظر لها: كانت أمي دائماً تقول لي اجعلي دعائك الدائم في صلاتك أن يرزقك الله زوجا لا تهونين عليه!
كنت أستغرب الدعاء، وحين سألتها لمَ لا أقول يحبني!
كانت تقول: ثلاث أرباع الحب وهم يا ابنتي، إن تزوجتي فاجعلي زوجك استجابة لدعاء يدوم لكِ..
رجل يخاف الله، فمن يخاف الله لا خوف منه..

رفعت نظرها نحوه وقالت:وها قد أجيبت كل دعواتي بك..

قال وهو يمسح دمعتها: وكل دعوات أمي أنتِ..
ثم قال مداعبا وهو يسير بجوارها: هل أخبرتك يوماً عن دعوات أمي؟
قالت مبتسمه: لا..
قال: زوجة مجنونة شقية لا تعرف لها حالا، ولا سبيلاً..
تيقظك الساعة الثانية ليلا وتبكي ثم لا تهون دموعها عليك، فتأمرك بالخروج تحت المطر فتخرج بلا اعتراض..

فضحكا الاثنين، ثم قال: ابتعدنا عن البيت هيا لنعد قبل أن يستيقظ الناس لصلاة الفجر فيقولون من هذان المجنونان..
قالت: بشرط..
– ها..
– من يصل البيت آخراً هو من يحضر السحور..
– نتسابق!
– نعم..
– مجنونة أنت لا محال..
وهو ينظر للبيوت حوله: حسنًا لكن بلا صوت هيا اركضي أمامي، سأسبقك.
انطلقت و ادعى أنه يركض خلفها ولم يدركها لألا يتركها خلفه، فقال حين وصل البيت ودخلوا: ليس عدلا لقد سبقتني قبل أن أبدأ بكثير..
فضحكت وقالت: حسنا حسنا سأحضره أنا يكفيك أنني قد غلبتك..

فذهب غير ملابسه وتوضأ، ثم عاد حاملاً مصحفيهما وطقم صلاتها ليتسحرا ثم يتلوان القرآن بعد ذلك كعادتهما معًا.

 

Read more

About عبدالرحمن ريماوي

Check Also

 زفة عريس – اكرام اسطى

زفة عريس بيت حليمه الليله ما انطفت انواره, مهو بيت عريس وبيت العريس بيبقى مثل المناره بوسط البلد , وكل الحبايب بتلفي تاتهني وتبارك وبالفرحه تشارك واليوم الحبايب بدهم يزفوا العزيز ابن

%d bloggers like this: