رسالة فرجينيا الأخيرة – عائشة الحطاب
(قبل ثمانين عاما ارتدت (فيرجينيا وولف) معطفها وملأته بالحجارة وأغرقت نفسها في النهر القريب من منزلها، وفي رسالة انتحارها كتبت لزوجها: “عزيزي، أنا على يقين بأنني سأجن، ولا أظن بأننا قادران على الخوض في تلك الأوقات الرهيبة مرة أخرى، ولا أظن أيضا أنني سأتعافى هذه المرة، لقد بدأت أسمع أصواتا وفقدت قدرتي على التركيز، لذا سأفعل ما أراه مناسبا…”).
أتيتُ النَّهرَ يَحملُني دُواري
فلا أَدري يَميني مِنْ يَساري
كأنّي في المدى نجمٌ شريدٌ
يُفتّشُ في المدارِ عَنِ المدارِ
لقعر الماء يهبط بي جنوني
ثقيل معطفي رطب إزاري
على جَسَدي نُدوبٌ مَالحاتٌ
وروحي لا يُعذّبُها احتِضاري
وأَدري أنني حتمًا سأَمضي
إلى حيثُ الحقيقةُ بانتظاري
إذا في الأرضِ كانَ العيشُ مَنفى
هنا في الماءِ مَنفايَ اختِياري
هنا الغرقى تُحاصرهم وجوهٌ
لمن غابوا بأزمنةِ الحِصارِ
هنا جثثُ الذينَ بَنوا قِلاعا
مِنَ الوَهْمِ المعلّقِ بالغبار
هنا السُّفنُ التي خَاضَتْ حُروبا
تنامُ على الرّمالِ بلا صواري
هنا القبطانُ مخمورا يُنادي
لكي يأتي العبيدُ معَ الجواري
هنا العشاقُ مُذ غرقوا فرادى
وبطنُ الأرضِ تَحبلُ بالدَّمارِ
لأني في الحياةِ بلا حياةٍ
أُغادِرُها وأُمعنُ في التَّواري
قضيتُ العُمرَ أَبتكِرُ التأَسِّي
وكان اليأَسُ أَبرعَ في ابتكاري
نهاري فَقْدُ مَنْ مَاتوا بليلي
وليلي فَقْدُ مَنْ صَنَعوا نهاري
فَمِي مِنْ غَيرِ أَسنانٍ وَلحمي
كلحمِ حَمامةٍ بينَ الضَّواري
أذوق مرارة الدنيا وأبكي
أنا العسلُ المصفّى في الجِرارِ
أنا العنقاء أُحْرَقُ كل يومٍ
وهذا الأُفْقُ من نُوري وناري
إلى ذاتِ الجهاتِ أَسيرُ دَومًا
على نفسِ الطريقِ مَشَى قِطاري
كتبتُ إليكَ آخر أغنياتي
ووشحتُ الرسالة باعتذاري:
فداحةُ جُرمِ مَنْ عاشوا طويلا
أقلُّ فَداحةً مِنها انْتِحَارِي
رسالة فرجينيا الأخيرة – عائشة الحطاب