بقلم / فاطمة يوسف عبد الرحيم
إقتحم عالمها الافتراضي من خلال صفحتها الفيسبوكية، كتب لها:”انا مهتم بقصائدك الأدبية الرائعة… هل لديك ديوان مطبوع؟ ردت:”نسخ الديوان في المستودع مع أشيائنا المهجورة”
: لو أجريت معك مقابلة ونمقتك بكلماتي لحلق ديوانك في المعارض وتهافت محبو الشعر على اقتنائه…، غدا بعد منتصف الليل ..سأكون متفرغا لك ونحكي بالتفاصيل”. اعتراها فرح قلق لكن لماذا بعد منتصف الليل وأين عيون النهار؟ دققت في صورة البروفايل،خيل لها أنها تعرفه، رائحة أدخنة الغليون منفرة، حروف اسمه غائمه في حنايا الذاكرة! بعد أيام…حادثها: لو سمحت افتحي الكاميرا، أفضل رؤية الانطباع على المحيا، سماع الصوت وحده لا يروي”، ارتدت حجابها لتستر وهن الخمسين عاما، فتحت الكاميرا، قال بصوت ضَغْضَغَ حروفه: وكأنك لا تحبين الحياة، نحن في خلوة.. لن يرانا أحد، تحللي من سترك، ولا تخافي من أخيلة الصور .. خذي راحتك حتى يحلو الهمس” تذكرته. ويدها تبحث عن أمر “بلوك”.
همست لنفسها” غريب هذا العالم الافتراضي أحيانا يتقيأ،… ولماذا تغشى أمنياتي أردية نتنة، ربما فئران المستودع أحق بأشعاري”.
سرحت بي الذاكرة إلى حرم الجامعة، حين ارتجفت ورقة الامتحان بيدي عندما صفعتني العلامة… “كأنها ليست ورقتي” ذهبت إلى أستاذ المادة في مكتبه الذي بهرني أثاثه وأناقته، وسألته عن سبب رسوبي في مادته، وكلي يقين من صحة إجابتي، قام من مكتبه منتصبا كفزاعة، وارتجفت كطير بللته رشة مطر، مسد شعري بيد مرتجفة بالشهوة ولمس بأصبعه شفتي، ونخرتني غمزة وقحة، ورد بمكر:” قوامك يتمايس بأنوثة ملهبة، لكن جمالك ينقصه ومضة ذكاء…لا يهم ما كتبته في الكراس.. كله ترهات”، دفعني نحو أريكة وثيرة تنضح بالخديعة:”إذا أردت النجاح استرخي هنا ولا تقاومي…كثيرات فعلن ذلك”، لكني خلت جدران مكتبه ولوحاته قد أطبقت على صدري فهربت ودمعي يدافع عن حيائي.
نجحت بعد أن استلم منصبا مهما في وزارة الثقافة، وعركتها السنون في دوامة الحياة، وكلما صفعها الزمن تبوح للقصيد بمعاناتها حتى تراكمت قصائد تحاكي فيها هموم الحياة والوطن… وارتأت جمعها في ديوان ..لكن تعليم ابنتيها اليتيمتين أحق بمالها، قدمت طلبا لطباعته على نفقة وزارة الثقافة، وحين اتصلت لتسأل عن الموافقة سألها المدير المسؤول:” أرغب بالاستماع إلى قصيدة من قصائدك حتى أحكم على مستواك الأدبي، المكان هنا يضج بالموظفين … ما رأيك بفنجان قهوة في مقهى الفندق المجاور .. أرجو أن لا تمانعي؟” تأنقت باحتشام وانتظرته على مقعد حدده لها، جاء… وقد ضيعت تغضنات الهرم ملامحه، جلس قبالتها مبهورا، وقرأت القصيد وهو يتأملها، لكن ذاكرتها بدأت تبحث عن شكل تعرفه، لكن أين؟ ثم قال :”سأوقع الموافقة، .. لكن بشرط بسيط، لقد حجزت في الفندق غرفة لنا… تذكرت الكنبة” قالت له “ورغم الشيب… ما زال الذيل أعوج” .