سِحُر الجنان
بقلم : عائشة الحطاب
بِهَدأَةِ ليلٍ ضَاعَ فيهِ يَقينُهُ
وضاقَ بشَيطانِ الظَّلامِ سَجِينُهُ
وَضاقَ بنوحٍ كلُّ ماءٍ وأَصبَحتْ
تَئِنُّ على رَملِ الصَّحارَى سَفِينُهُ
تَرَاءَتْ لنا أَنوَارُهُ كَمجرَّةٍ
وَتمَّ لَهُ الدِّينُ العِظامُ شُؤونُهُ
يَقُصُّ على الدُّنيا حِكايةَ هَدْيِهِ
وَتَلقَفُ فَنَّ الجَاحِدينَ فُنُونُهُ
تَلا في جُنُونِ النَّارِ نفحةَ بَردِهِ
فَأَضْحَتْ سَلاماً حينَ تَمَّتْ قُرونُه
عَظيمٌ وَلا يَدْري مُريدٌ لمدحِهِ
أَيكتُبُ شِعراً أَم تُراهُ يَخونُهُ
نَبيٌّ بَهيٌّ أَلبَسَ الكونَ رُوحَهُ
وَمَنطقَ عَدْلٍ سَارَ فينا مُبينُهُ
كَأَنَّ الوُرودَ الغَافِياتِ بَخدِّهِ
نُورٍ ضَاءَ مِنها جَبينُهُ
كَأَنَّ عَلى الأَهدابِ تَاجَ مَهَابَةٍ
وكلَّ حياءِ الأرْضِ حَازتْ جُفُونُهُ
تَبيتُ بأَبوابِ الطُّغاةِ عُفَاتُهمْ
وكِلتَا يَديْ طَهَ النَديِّ يَمينُهُ
أَنامِلُهُ البَيضاءُ دَمعُ غَمامَةٍ
إذا سَارَ سَارَت في عُلاهَا تَصُونُهُ
عَباءَةُ عَطْفٍ لليتيمِ ذِرَاعُهُ
بأفيَائِها الخضرَاءِ أغفَى حَزينُهُ
وكعبةُ غَوْثٍ للبريَّةِ عَينُهُ
وزَمزمُ كَشْفٍ للحَيارَى مَعينُهُ
وَمِن دُرِّهِ المنثورِ نَفحُ شَفاعَةٍ
مَعاطفُ مِسكٍ يَرتدِيهَا بنونُهُ
سَقانا كُؤوسَ الوَحي رُوحَاً مُقدَّساً
تُراقُ على جُرحِ السِّنين سِنينُهُ
وَحَنَّ لهُ الجِذعُ المَشوقُ وكَمْ سَرَى
تُدَغدِغُ غَيماتِ السَّماءِ غُصُونُهُ
لأَنتَ ابتهَالُ النَّخلِ أَوْدعَ وِرْدَهُ
تَراتيلَ عِشقٍ ذِابَ فيها حَنينُهُ
إلى لُجّةٍ في النُّورِ بَرقٌ يُقُلّهُ
إلى أُفُقٍ سِحرُ الغُيوبِ قَرينُهُ
يُصيخُ إلى بَوحِ السَّماءِ وَلم يَزَلْ
يُجلِّي لهُ الخلّاقُ سِرَّاً يَكونُهُ
تَمرُّ بهِ الأَملاكُ وَلهَى عُيُونُها
وَتختَرقُ السَّبعَ الطِّباقَ عُيونُهُ
فهامَ بِهِ العَرشُ العَظيمُ وَرَاقَهُ
أَضاميمَ مِن سِحرِ الجِنانِ تَزينُهُ
شَفيعَ العُصاةِ المثقَلينَ بِذنْبِهمْ
يَلوذُ بهِ العَبدُ العِتاقُ شُجُونُهُ
إذا أَلقَتْ الأَرحامُ يوماً بحمْلِهَا
وَأُسْكِرَ مِنْ شَمسِ القِيامَةِ طِينُهُ
وَأَلهَتْ خَليلاً عن خَليلٍ صَواحِبٌ
وَفَرَّ مِن الوَجهِ الشَقيّ مُعِينُهُ
فَمَنْ غَيرُهُ بَدرٌ بِعتمةِ لَيلِنَا
إِذا سِيقَ بالوِزرِ القَديمِ رَهينُهُ
أميرَ القُلوبِ المُترعَاتِ صبَابَةً
إليكَ مَقالُ الصَبِّ تُهدَى مُتونُهُ
لئِنْ جُنَّ قَلبُ الشَّاتِمينَ بحقدِهِ
فَلَنْ يَنفعَ القَلبَ الحَقودَ جُنُونُهُ
ولَنْ تَبلُغَ الشَّأْوَ المَرومَ رُسومُهُ
وَلَنْ يَبرحَ الغَثَّ الوَضيعَ سَمِينُهُ
وَيشهدُ كَلُّ العَارفينَ بربِّهم
بأَنَّكَ مِن بَينِ العِبادِ أَمينُهُ
One comment
Pingback: عائشة الحطاب – جريدة وإذاعة سقيفة المواسم الثقافية