أنا السّيّاب – القس جوزيف إيليا
—
من رحمِ حديثٍ لي مع السّيّدة الفاضلة آلاء حول أبيها الشّاعر الخالد بدر شاكر السّيّاب ولدت هذه القصيدة :
—
أنا السّيّابُ
في لغتي أرى أرضًا من الأشعارِ تربتُها
فأمشي فوقها وترًا
يبثُّ بسمْعِها نغما
وأنسى
أنّني جسدٌ يجوعُ
ويشتكي عطَشًا
ويتعبُ إنْ طويلًا سارَ
ممتطيًا حصانًا أعرجًا هرِما
ويبرُدُ إنْ تمزّقَ ثوبُهُ في ليلةٍ شتْويّةٍ
والحَرُّ يُنسيهِ خُطى رقْصاتِهِ وثْبًا
وينبضُ شهوةً
إنْ مسَّهُ جسدٌ غريبٌ تائقٌ لعِراكِهِ يأتيهِ ملتهِما
وأنسى
أنجمًا كانت تلاطفُني
وتُرضعُني حليبَ الضّوءِ يُنميني
فأنهضُ ماسكًا قلما
وأرسمُ أنجميْ بيدي أنا وحدي
بها أمحو غدًا ظُلَما
وأنسى
وجهَ أجدادي وآبائي
وما زرعوا
وما حصدوا
وما صنعوا
وما اجترحوا
وما قالوهُ للأمواجِ حينَ غزتْ منازلَهم
وللغاباتِ حينَ أتتْ تلاعبُهم
وأخلعُ ثوبَهم عنّي
وأخرجُ فارسًا للحربِ وحدي
لا أخافُ يدًا تلاحقُني
ولا أعرى
ولا أشقى
ولا تُمحى تواريخي
ولا تبلى تضاريسي
وأُشبِعُ مِنْ رغيفِ قصائدي أُمما
وأنسى
لسعةَ الأفعى لأقدامي
فأدهسُها
وأطمِرُها
وأُبطِلُ سمَّها
وأصيرُ شمشونًا
أقاتلُ جيشَ خيباتي وأهزمُهُ
وتسحقُ قوّتيْ السَّقَما
أنا السّيّابُ
تاريخٌ من الحلوى حكاياتي
بها مُرَّ العراقِ هزمتُ
لمْ يكسرْ نخيليْ مَنْ أتاني غازيًا
وبقيتُ أمسحُ عن مرايا صحوِهِ غبَشَ الخرافةِ
صحتُ صيحةَ ثائرٍ
يأبى الرّقادَ على فراشِ سريرِهِ
فيقومُ منتفِضًا
وبانيًا الّذي رُدِما
أنا السّيّابُ
ما زلتُ المسافرَ
لمْ تشِخْ سفني
ولا انطفأتْ قناديلي
ولا انكسرتْ مواويلي
ولا فسدتْ ينابيعي
ولا صوتٌ ليَ انكتَما
فقولوا مِنْ نشيدي مقطعًا
كالسّيفِ يقطعُ رأسَ صالبِهِ
وكالطّوفانِ يجرُفُ مَنْ بنى لعدوِّهِ صنما
أنا السّيّابُ
لمْ أكتبْ مِنْ الأشعارِ ما يكفي لأبنيَ مِنْ حجارتِها قلاعًا
أحتمي فيها من البلوى
وحينَ قسا الزّمانُ عليَّ
أدمنتُ الرِّثاءَ
وما يقولُ الأنبياءُ
وكم سعيتُ لأنْ أموتَ كموتِهم حُرًّا
بلا شكوى
ولا لغزٍ
وفوقَ جبالِ ما أرجوهُ
تنحَرُ ثورتيْ العدَما
—
القس جوزيف إيليا
٢٩ – ٦ – ٢٠٢٢