وجهٌ في المراّة / سميح الشريف

أنا  لم  أكن  متماهيـــاً  بمكانِ حتى  أكفَّ  بـه  عن  الدوران

مشت الثواني بي ولم يعرفنني، فقد نخرْ نَ كياني

يمشـــــين آحاداً ،  فتلك كهذه  رسمت على وجهي خطوط بيانِ

تمتارُ من وجهي فإن ودّعتُها  اسـتقبلت   ثانيــةً  بوجهٍ  ثانِ 

لي وهذا الوجه في أطواره من  هادمٍ  فيه   وآخـــرَ  بانِ  

لو كان في بعضي لبعضي صاحبٌ حفظ  الهـوى  لبكيتُه  وبكاني

أرنو  إليه  وقد كسى  قسماتِه صدأُ  السـنين  وعتمةُ الألوانِ 

وأرتْنيَ   المرآةُ  من  آثــــاره  طللاً تهدّمَ   كالحَ    الجدرانِ

طوّفتُ  فيه  كالغريب فلم أجدْ سمتي عليه ولا عرفتُ مكاني

ساءلتُه إن  كان  يذكرُ  من أنا أشاح  عني  مطبَقَ الأجفانِ

ودنوتُ أُجلي من سماتي ما رأى فيمـا   به  قد   تُخْدعُ  العينانِ

فلربما  عيناهُ  من  طول  المَدى  قد لّتا  ،  فكما  أراهُ  يراني 

فلمحتُ  عينيه كصوْحةِ وجهه مني  وراء الدمع  تسـتتران   

وكأن أطيافَ الزمانِ تشخّصت صوراً ، تودِّعُه بغير لســانِ

وتفكُّ   أسـرَ  زمانها  فلطالما ضاقَ الزّمانُ بصحبةِ الأبدانِ

من  فرط ما احترقتْ بها لحظاتُه ومشتْ  بعزّتِهِ  لأحقر شــــانِ

وتطوف أبكارُ الهوى  ملتفّةً من  حوله  كقلائد  العِقيـانِ

هذا  الذي ملأَ المخادعَ طيفُهُ من حرِّ آهاتٍ  وخفقِ جَنانِ 

اللـهَ،كم ذرفتْ هواهُ مدامعٌ فإذا برى ، ذَرَفتْهُ في الوجدانِ

هذا  أنا وحدي أهدهدُ  حزنهُ بيدي ، وأمسحُ دمعَـه ببناني

أحببْتُهُ كيما  أُطيقَ  هوانَه وكرهته  كيما  أُطيقَ   حناني

وترقَّ فيَّ العاطفاتُ فلا أرى  فرْقَ الكمالِ به عن النقصانِ

عشنا  معاً  زمنَ البداهةِ واحداً فإذا  بنا   لمّا   تولّـى   اثنانِ  

في  عالمٍ  سكنَ  الخفاءُ  عُبابَه وكأنه  بحـرٌ  بلا  شـــــطئآنِ 

نمشـي به حذَرَ الطريدةِ راعَها  أن  لا  ترى  فيه  مكانَ أمانِ

رحنا    نقلّبُهُ   على   صفحاتِه فلقد    وجدنـاهُ    بلا  عنوانِ

تثبُ الرؤى  ومْضاً  على آفاقِه    متردِّداً في البوحِ  والكتمانِ 

وكأنما العينانِ من سحرِ الرؤى فيه   تناقضـتا   بما  تريـانِ 

هذي ترودُ السـرَّ خلفَ وميضه وتدور تلك  به  مع اللمعانِ

كلتاهما  رأتاه  في  أُفقيْهمـــــا فانجابَ  عن  وجْهٍ له أُفُقانِ

ونفيضُ  دفقاً  لا  محالةَ عائدٌ فينا  بأســـماءٍ  له   ومعاني

خلَعَ  الحضورُ رداءَهُ  متمايز بغيابه ،  وأقام في الأذهانِ 

فوجدْتُ ما أدميْتُ فيه ملامسي سيّانَ، في علمي وفي إيماني

وأروحُ بينهما غِراراً  لا  أرى  غيري أُسائلُ منه  ما هذانِ

لا شيء يخفقُ في سمائهما سوى  همْسِ الحيـاةِ يذوبُ في الأكوانِ

والكائناتُ سجينةٌ  في خلْقها عميتْ  به عن  رؤيةِ الســـجّانِ 

أعرَفْتَني،لا، فالرؤى بك صورتيوأنا المشاعرُ حين أنتَ تُعاني 

وأنا المفاتنُ  فيك  حين  جعلْتُهـا فرس الرِّهانِ،وقد خسرتُ رِهاني

ماذا  بقي لي فيكَ من ماضِ سوى دبٍ،أذودُ   بمجــده   خُذلانِي

أنا يا  رفيقي لستُ منكَ ، وهالني أن يُخلقَ الإنسـانُ في الحيوانِ 

                *******************الزرقاء : 12/1/2003  

About عبدالرحمن ريماوي

Check Also

يا نخلةً في مروج الريف تعرفني – هاجر عمر

يا نخلةً في مروج الريف تعرفني قولي لهم إنني أنأى عن المدنِ ففي شوارعها زيفٌ يلوذ به خوفٌ،وفي بحرها موجٌ من الفتنِ

%d bloggers like this: