تأملت نفسها في مرآتها
ياه…يبدو أنّ تجاعيداً دقيقة بدأت تظهر حول عيني
اقتربت من المرآة أكثر
ولكنني لا زلت جميلة… وأذهل الجميع في كل مرة
لا لا هذه المرآة قديمة ومعتمة
أعلم أنني أجمل من هذا الانعكاس القاتم
ذهبت الى تلك المرآة الطويلة المقابلة للنافذة
الإضاءة هناك قوية
تأملت قوامها الرشيق والجذاب
افتتنت بنفسها
حقاً انني محظوظة بهذا القوام الممشوق
الذي لا تبدله السنون
سأرتدي هذه الجيبة التي تبرز خصري النحيل
واستدارة موضع أنوثتي
لا لا سيلتهمني الرجال بنظراتهم الشرهة ثم يعودون الى نسائهم يكيلون لهنّ المديح الكاذب.
صففت شعرها بالطريقة التي تليق بوجهها الطفولي الجميل..
تحملقت عيناها في المرآة كَأَنَّ صاعقةً قد أصابتها
صرخت: الا الشيب يا الله
هذا ما لا أستطيع احتماله
خلعت تلك الشعرة الفضية التي تلمع وسط عتمة شعرها الأسود الذي ينسكب على كتفيها كشلال جميل يشوبه بعض التدرجات الخفيفة أثناء سقوطه بفعل النسيم المتسلل من النافذة فيزداد جمالا
فتشت في شعرها عن شيبة آخرى
اطمأن قلبها أنها لم تجد غيرها
تعطرت بعطرها الجادور الفرنسي الذي لطالما فضلته عن غيره
تحسست خديها وجيدها بأصابعها الرقيقة ورددت:
هذه البداية فقط
بدأ يذوي هذا الجمال ولم يحظ بفرصة للظهور
ما بال الرجال قد فقدوا ذائقتهم ويرتبطون بنساء أغلبهن سطحيات التفكير. ولا يعرفن كيف يعتنين بهم ولا بأنفسهن.
لا … لا تكذبي على نفسك يا زين
فكم من مرة ترفعت عن الحب مخافة أن تقعي فيه
كم مرة حظرت من كتب فيك قصائد غزلية. ووصفته بالشاعر الكاذب
ورفضت ذاك العريس لأنه تافه لا يملك من تفكير الرجال شيئا
اصطدمت مع نفسها مرة أخرى كما فعلت مرات عديدة من قبل، وفِي كل مرة كانت تنتصر عليها
وتحجمها قبل أن تجيب على تساؤلاتها الكثيرة
نهضت من على كرسيها الأنيق وارتدت حجابها وجلبابها الذي يغطي كل مواضع أنوثتها ومضت إلى عملها…كانت أكثر من جادة في ميدان العمل
توقع العقوبات بموظفيها لو ارتأت منهم أي تقصير، وتكافيء من يجتهد منهم
ابتسامتها وصبرها اللامحدود عليهم أورثاها حبهم وتقديرهم.
انتهى النهار وعادت الى مسكنها مرة أخرى بجسدٍ مرهق
وروح حزينة سئمت الوحدة وتفاصيل منزلها المنمق بدقة.
خلعت جلبابها وارتدت بنطالا ضيقاً وكنزة حمراء وحذاء أحمر بكعب عالٍ … ولم تنس ذلك الخلخال الذي يزيد ساقها البيضاء جمالا
كانت تعلم أن جارتها ستحضر لأخذ ايجار البيت وتشرب معها القهوة كعادتها في أول كل شهر
وتكيل لها المديح ولجمالها فتشعر بطغيان أنوثتها على تلك السمينة.
دق جرس المنزل
انتفضت لا لاستقبال الجارة بل لسماع أجمل الكلام عن أنوثتها منها
فتحت الباب واستقبلتها بابتسامتها المصطنعة
تبادلا احاديث قصيرة رتيبة وراحت لتعد لهما القهوة وعادت بعد ثوان قليلة تحمل المبلغ المطلوب لإيجار البيت
لتجد جارتها الدميمة قد قامت عن مقعدها وتمعن النظر خلف مرآة الدنسوار الضخمة
نادتها مستغربة : ماذا تفعلين عندك يا جارتي؟
قالت أنها تحاول إخراج رمش دخل في عينها أثناء فركها تبسمت لها ….. سلامتك حبيبتي
هل أساعدك ؟
نفخت في عينها لكنها لم تلحظ أي احمرار فيها
ودعتها للجلوس لشرب القهوة لكنّ عينيها ظلتا متسمرتين على تلك المرآة حتى مغادرتها المنزل
ياه…ما أثقل دمها!
أخيرا انصرفت
وراحت توضب المقاعد من جديد وتمسح آثار أصابع الجارة على المرآة
شيء ما هنا…. ما هو يا ترى
ذهبت لتراه أخرجته من مكانه بصعوبة
ما هذا؟
هل هو حجاب؟
أم سحر؟
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
أزاحت الدنسوار للأمام قليلا
صدمتها كثرة هذه الأشياء خلفه
جمعتها وبدأت بقرائتها واحدة تلو الأخرى
هذا سحر للتفريق بين زين بتت فاطمة وحسن بن فضيلة
وذاك محشوٌ بخربشاتٍ لا تقوى على قرائتها
جمعتها كلها وحرقتها، غافرةً لتلك الجارة سذاجتها، فهي لا تعلم كم تمقت ذاك الذئب المدعو بالحسن بعد أن باغتها مرةً واستغلّ عجز والدتها عن الحركة وقلة حيلتها أمام يده التي كممت فيها عشر سنين، لقدافترس أنوثتها ذات شتاءٍ بارد لتحيا بعدها مكسورة الجناح، تحملُ ذنباً لم توسوس لها نفسها به يوما. محرومةً من الأسرة التي تتوق إليها بعد وفاة والديها، تراقب جمالها الذي يذوي دون أن تجني منه إلا اللعنة.