كانت أحلام

كانت أحلام بقلم ملاك جبريل

تَعَوَّدْتُ أَنَا وَصَدِيقَتِي احلام أَنْ نَجْلِسَ فِي الْأَمَاكِنِ الْعَامَّةِ… نَتَأَمَّلُ مَنْ حَوْلِنَا… ثُمَّ نُحَاوِلُ تَخَيُّلَ سِينَارْيُوهَاتٍ لِحَيَاتِهِمْ!

ذهبنا إلى مَطْعَمِنَا الْمُفَضَّلِ هَذَا الْمَسَاءَ..

نَنْظُرُ لِمَنْ حَوْلَنَا مِنْ الزَّبَائِنِ بِشَيْءٍ مِنْ الْفُضُولِ … نُحَاوِلُ أَنْ نَتَوَقَّعَ قِصَّةَ كُلٍّ مِنْهُمْ…

هَذَا الرَّجُلُ الْمُسِنّ الْجَالِسُ مَعَ السَّيِّدَةِ الشَّابَّةِ الْأَنِيقَةِ.. هُوَ وَالِدُهَا… لَاشِكٌ أَنَّهُ كَذَلِكَ فَهِيَ تُشْبِهُهُ الَى حَدٍّ كَبِيرٍ… إِنَّهُمَا فِي غَايَةِ الِانْسِجَامِ يَتَحَدَّثَانِ فِي أَمْرٍ هَامٍّ… هِيَ تَبْتَسِمُ وَتَقبل يَدِيَّةِ بين الحين والحين … وَهُوَ يُغَالِبُ دُمُوعَهُ وَهُوَ يَتَحَدَّثُ…

قَالَتْ احلام

أَعْتَقِدُ أَنَّهُمَا يَتَذَكَّرَانِ أَمْرًا مَا… أَوْ أَحَدًا مَا…

اتَّفَقْنَا انْهُمَا يَسْتَذْكِرَانِ رُبَّمَا وَالِدَتَهَا الْمُتَوَفَّاةَ.. وَيَتَحَدَّثَانِ عَنْهَا بِشَيْءٍ مِنْ الْحَنِينِ وَالِاشْتِيَاقِ…

السَّيِّدَةُ الْفَارِعَةُ الطُّولُ الَّتِي تَجْلِسُ وَحْدَهَا تَنْظُرُ فِي سَاعَةِ هَاتِفِهَا كُلَّ دَقِيقَةٍ… ثُمَّ تَنْظُرُ لِبَابِ الْمَطْعَمِ… وَاضِحٌ أَنَّهَا تَنْتَظِرُ أَحَدًاً… رُبَّمَا صَدِيقَةً… أَوْ حَبِيبٍ… لَكِنَّهَا انْتَظَرَتْ لِسَاعَاتٍ دُونَ فَائِدَةٍ… غَادَرَتْ بَعْدَ أَنْ مَلّتْ الْجُلُوسَ وَحِيدَةً… كَانَتْ سَاهِمَةً… تُحَاوِلُ جَاهِدَةَ الِاتِّصَالِ بِأَحَدِهِمْ وَهِيَ تُغَادِرُ لَكِنَّهُ لَا يَرُدُّ…

شَعَرْنَا بِالْحُزْنِ عَلَيْهَا…

سَأَلْتُ احلام: هَلْ تَظُنِّينَ أَنَّهَا كَانَتْ تَنْتَظِرُ حَبِيبًاً أَمْ صَدِيقَةً؟!

رَفَعَتْ أَكْتَافُهَا فِي إِشَارَةِ أَنَّهَا لَا تَدْرِي!

هُنَاكَ شَابَّيْنِ وَسِيمَيْنِ يَجْلِسَانِ إِلَى أَيْمَنِ الْبَابِ.. يَتَحَدَّثَانِ فِي أَمْرٍ بَالِغِ الْأَهَمِّيَّةِ… أَوْ هَكَذَا يَبْدُو… لَكِنَّهُ لَا بُدَّ شَيْءٌ يُثِيرُ الرِّيبَةَ… فَهُمَا يَتَحَدَّثَانِ بِصَوْتٍ مُنْخَفِضٍ وَيَنْظُرَانِ بِتَرَقُّبٍ إِلَى الْبَابِ وَالشَّارِعِ كُلَّمَا اصْطَفَّتْ سَيَّارَةٌ أَمَامَ الْمَطْعَمِ..الْمُطْعِمُ يَعِجّ بِالزَّبَائِنِ… وَيَعِجّ بِالْقِصَصِ وَالسِّينَارْيُوهَاتِ.. كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ يَمْلِكُ حِكَايَاتٍ لَا تَنْتَهِي… حِكَايَاتٌ يَعْرِفُهَا الْآخَرُونَ.. وَحِكَايَاتٌ لَا يَعْرِفُهَا أَحَدٌ!نَظَرْتُ لِلْأحلام.. قُلْتُ لَهَا: هَيَا بِنَا لَقَدْ تَأَخَّرَ الْوَقْتُ…

رُدَّتْ وَهِيَ تَنْظُرُ لِسَاعَتِهَا: اوْهِ مَعَكَ حَقٌّ… لَقَدْ تَأَخَّرْتَ كَثِيرًا عَلَى مَوْعِدِ دَوَاءِ أُمِّي.. لَكِنْ أَنَا سَأُحَاسِبُ هَذِهِ الْمَرْهَ وَأَخْرَجَتْ مِحْفَظَتَهَا..

تَرَكَتْ الْحِسَابَ عَلَى الطَّاوِلَةِ.. وَانْضَمَّتْ إِلَيّ

يَا آنِسَةُ… آنِسَةْ ليندا… مَهْلًاً

الْتَفَتّ إِلَى النَّادِلِ: نَعَمْ مَاذَا تُرِيدُ؟

لَمْ تُحَاسِبِي عَلَى الْقَهْوَةِ يَا آنِسَةُ..

لَكِنَّ صَدِيقَتِي فَعَلْتُ! وَنَظَرْتُ نَحْوَهَا.. نَحْوَ احلام… فَلَمْ أَجِدْهَا!

لَا أَدْرِي مَاذَا أَقُولُ لَكِ.. أَنَا أَخْبَرْتُكَ مِرَارًاً الْيَوْمَ بِأَنَّهُ لَا أَحَدَ يَجْلِسُ مَعَكِ عَلَى الطَّاوِلَةِ.. !!!

عَادَ كُلُّ شَيْءٍ إِلَيّ.. صَوْتُ الرَّادْيُو الْمُرْتَفِعُ وَنَحْنُ عَائِدَتَانِ مِنْ الْمَدْرَسَةِ… ضِحْكَاتُنَا… الزَّامُورُ الْمُرْتَفِعِ لِلسَّيَّارَاتِ.. انْشِغَالُنَا بِرُؤْيَةِ صُوَرِ حَفْلِ زِفَافِ قَرِيبَتِهَا عَلَى الْهَاتِفِ..

ثُمَّ…ظَلَامٌ… لَا شَيْءَ.. لَاشَيْءٌ سِوَى أَنَّنِي نَجَوْتُ

وَهِيَ رَحَلَتْ..

وَلَكِنْ لَا أَظُنُّ أَنِّي نَجَوتُ… فَنَحْنُ لَا نَنْجُو فِي الْحَقِيقَةِ بَعْدَ رَحِيلِ مَنْ نُحِبُّ… لَا نَنْجُو ابْدًاً…

مَاتَتْ احلام… وَتَرَكَتْنِي…

حَاسَبْتُ النَّادِلَ… أَسْرَعْتُ لِلْبَابِ مُحْرِجَةً.. فَكُلُّ مَنْ فِي الْمَطْعَمِ يَنْظُرُونَ إِلَيَّ بِاسْتِغْرَابّ…

أَجْزَمُ أَنْ لَا أَحَدَ قَدْ تَوَقَّعَ أَنَّ تِلْكَ الشَّابَّةَ الَّتِي تَجْلِسُ وَحِيدَةً تُحْدِثُ نَفْسَهَا مُنْذُ سَاعَاتٍ.. لَيْسَتْ مَجْنُونَةً فِي الْحَقِيقَةِ…

هِيَ فَقَطْ تَفْتَقِدُ صَدِيقَتَهَا جِدًّاً جِدًّاً…

صَدِيقَتُهَا الَّتِي كَانَتْ تُحِبُّهَا فَوْقَ الْحُبِّ حُبّاً…. تُشَارِكُهَا كُلُّ شَيْءٍ…

شَارَكَتْهَا الْحَيَاةُ بِكُلِّ تَفَاصِيلِهَا… وَحَتَّى آخِرِ لَحْظَةٍ…

لَكِنَّهَا لَمْ تُشَارِكْهَا الرَّحِيلُ…

ملاك جبريل …ياسمين

عن عبدالرحمن ريماوي

شاهد أيضاً

جيج الصمت – وسيلة أمين سامي

ضجيج الصمت سأحكي لكِ ما لم تسمعيه من قبل: ليلةَ عرسكِ، كانت الفرحة تغمر كلَّ من حولك، إلا أنا... كنتُ أتعس إنسان على وجه الأرض. تلك الليلة، هِمتُ على وجهي، وغادرتُ المكان لظلام حزني تحت وهج أنوار عرسك. لقد انتبذتُ مكانًا لا وجهة له

%d مدونون معجبون بهذه: