ستنجلي الغيوم
لم يكن مفاجئًا ، صوت الانفجار ولا الدخان ولا منظر سقوط الأبنية ، كان أبي يحضن اختي الصغيرة ذات العامين ودموعه تتساقط على لحيته وقد بللت ثيابه ، الخوف في عينيه على اخوتي بعد أن فقدنا امي قبل يومين أثناء سقوط الدار على رؤسنا بعد قصف شديد أحرق الأخضر واليابس ..
– ابي .. انا خائفة !!
– ابنتي الحبيبة .. انا بجانبك ، ستكونين بخير
– لكني جائعة ، واختي بدون حليب !!
– الله معنا .. ستنجلي الغيوم قريبًا ..
كانت حجارة أنقاض البنايات المهدمة قريبة مني ، صوت الصراخ وبكاء الأطفال يملأ المكان ، بين خوفي وحماسي ، تناولت حجرًا بحجم راحة يدي ونهضت مسرعة الى الساحة القريبة منا ..
لم يكن ابي منتبهًا لي فقد كان مشغولًا بمحاولة اسكات طفلتنا الصغيرة ، وقفت على كومة من الأنقاض ونظري متجه صوب الشارع ، أغمضت عيني لأتذكر ما كنا نقوم به وأطفال الحارة عندما يمر جنود الاحتلال أمامنا !!
– نعم سأرشقهم بوابل من الحجارة ، سأخذ بثأر امي وبقية أهلي وجيراني ، سأطردهم من أرضي ، وسأرفع راية النصر على سطح دارنا المهدمة ..
– ماذا تفعلين هنا ، القصف شديد وقريب !!
هكذا صرخ ابي بعد أن هز كتفي محاولًا تنبيهي من تهيؤاتي أو أحلام يقظتي ..
– لن يمروا .. سأقاوم !!
– انهم لا يعرفون سوى لغة الموت !!
– إذن سألحق بأمي ..
– صغيرتي .. كلنا سنلحق بها ، لكن من سيعمر بلدنا بعدنا !!
هنا توجهت لاخوتي حضنتهم وقبلتهم وكأني اودعهم ..
– ابي .. سنبني وطننا ، فنحن لا نخاف الموت ، لكن أرضنا لا نفرط بها ..
مها حيدر
—–
إذاعة سقيفة المواسم الألكترونية