سارق ومسروق شرفاء – ميرزا أديب
تمر عليك لحظات تكون فيها في أشد الحاجة إلى عمل أو نقود والصعب في الأمر أن أماً في غير بلد تنتظر كل شهر أن تقوم بتحويل مبلغ معين لها ليعينها على قضاء حوائجها.
أنت في المغترب ومطرود من عملك ولديك بعض الروبيات فقط لا تكفي لغداء يوم واحد وجل تفكيرك بوالدتك العجوز التي لن تتحمل أكثر من ذلك لعدم استطاعتك ارسال المبلغ والدنيا تدور بك وتكاد أن تختنق.
وتصعد في حافلة ورسالة أمك في جيبك ومعها 9 روبيات والقصة في الهند حصلت مع رجل باكستاني سافر ليعمل وأغلقت الدنيا أبوابها في وجهه.
تنزل من الحافلة وتنتبه ان الرسالة وال9 روبيات قد سُرقت منك ليزيد الهم هما والضيق ضيقا ولا يوجد في رأسك غير أمك العجوز لتبدأ معك حكاية كأنها من حكايات ألف ليلة وليلة.
وفي يوم من الأيام والهم يأكل رأسك تأتيك رسالة من والدتك تخبرك بأن المبلغ قد وصلها في الموعد المناسب وتدعو لك أن يرزقك الله وتسألك كيف استطعت ارسال المبلغ وأنت عاطل عن العمل؟
حدثت هذه القصة مع رجل من باكستان وهو الشاعر والكاتب الباكستاني_مرزا_أديب المتوفى سنة 1999 م حيث كتب في كتابه “المصباح” :
( ذهبت الى دلهي في الستينات للعمل وفي أحد الأيام نزلتُ من الحافلة ؛ ثم فتشتُ جيوبي لأتفاجأ بأن أحدهم قد سرقني ، وما كان في جيبي حين نُهبت سوى تسع روبيات ورسالة في ظرف كنت قد كتبتها إلى أمي : ” أمِّي الحنون !!فُصلتُ من عملي ، لا أستطيعُ أن أرسل لك هذا الشهر مبلغ الخمسين روبية المعتاد ..”
وكنت قد وضعت رسالتي هذه في جيبي منذ ثلاثة أيام على أمل أن أرسلها في وقت لاحق بما يتوفر من روبيات ، وبالرغم من أن الروبيات التسع التي سرقت لا تساوي شيئاً ؛ لكن الذي فصل من عمله ؛ وسُرق ماله تساوي في نظره 9000 روبية !!
مضت أيام وصلتني رسالة من أمي توجست خوفاً ،
وقلت في نفسي : لا بد أنها طلبت المبلغ الذي اعتدت إرساله إليها ، لكني عندما قرأت الرسالة احترت كونها تحمل شكرها ودعواتها لي ، قائلة :
«وصلتني منك 50 روبية عبر حوالتك المالية، كم أنت رائع يا بني، ترسل لي المبلغ في وقته ولا تتأخر بتاتاً ، رغم انهم فصلوك من عملك ، أدعو لك بالتوفيق وسعة الرزق »
وقد عشت متردداً محتاراً لأيام .. مَنْ يا ترى الذي أرسل هذا المبلغ إلى أمي؟!! وبعد أيام وصلتني رسالة أخرى بخط يد بالكاد يُقرأ ، كتب فيها صاحبها :
“حصلت على عنوانك من ظرف الرسالة ، وقد أضفتُ إلى روبياتك التسعة ، إحدى وأربعين روبية كنت قد جمعتها سابقاً ، وأرسلتها حوالة مالية إلى أمك حسب العنوان الذي في رسالتك وبصراحة فإني قد فكرت في أمي وأمك ، فقلت في نفسي : لماذا تبيت أمك أيامها طاوية على الجوع وأتحمل ذنبك وذنبها ؟؟تحياتي لك ،
أنا صاحبك الذي سرقك في الحافلة فسامحني” !
هكذا هي الدنيا تعيش فيها كثيرا ترى منها أكثر، من يصدق أن لصا سيقوم بهذا الفعل مع أن كل ما يفكر به في هذه الدنيا هو سرقتك فقط؟
أحيانا قد نصادف لصوصا أشرف بكثير من أولئك الذين يرفعون شعارات في حقيقتها منزوعة الدسم إن لم تكن مزيفة !!
سارق ومسروق شرفاء – ميرزا أديب