زفرة على فلسطين الدامية /محمود حسن أسماعيل

الشاعر محمود حسن أسماعيل

صوتٌ بأرض القدس مشتعلُ الصَّدَى 

كادت له الأكبادُ أن تتوقدا 

لما تأوَّهَ صارخًا بين الوَرى 

أسيانَ يُزرم تحت نيران العدا 

جَزِع «المسيحُ» له ولولا طُهْره 

ما مدَّ للرحمات كفّاً أو يدا 

رُهْبانه في الغرب منبعُ حِكمةٍ 

ما غُلِّفت يومًا لملتمسِ الهدَى 

رشفوا من «الإنجيل» فيض رشاده 

وتخشَّعوا حول الهياكل سُجَّدا 

وشدوا بملْحمةِ السلام ورنَّموا 

مزموره للكون خلاّبَ الصدَى 

لكنَّ شعبَهمُ أثار عَجاجةً 

في الشرق طافحةً بأهوال الردَى 

فإذا التعاليم التي هتفوا بها 

من سَوْرَةِ الأطماع قد ضاعت سُدى 

وإذا بلحن السلم بين شفاههم 

عصَفتْ به شَهَواتهم فتبَدَّدا 

تَخِذوا الرصاصَ شريعةً قدسيَّةً 

وقذائفَ الأرواح نهجًا مرشدا 

لم يرهبوا التأريخ في استعمارهم 

أنَّى سَطَوْا وكَزوه أروعَ سيِّدا 

لطموه في القدس المحرَّمِ لَطْمةً 

كادت لها الأجبال أن تتهدَّدا 

مهْدُ الشرائع من قديمٍ ما له 

أضحَى لأحرار البريَّة مَوْقدا 

في كل مُرتَبَعٍ به وحنيَّةٍ 

تلقَى صريعًا في التراب مُمدَّدا 

هانت على البطل المجاهد نفسُه 

فسعَى لحوض الموت يطلب مَوْردا 

ألقى إلى اللهب المسعَّر روحَه 

وكذا يكون الحرُّ في يوم الفِدا 

الله في وطَن النبُوَّةِ نال من 

شَرَهِ الطُّغاة اليومَ حظّاً أنكدا 

الفتنةُ الشَّعْواء هاجت قلبه 

لم تُبقِ فيه كنيسةً أو مسجدا 

شرعت من الرقِّ البغيض سلاحَها 

تتفزَّعُ الأقدار إما جُرِّدا 

صرخ الضعيف شِكايةً من هولها 

فمَحَا اللهيبُ صُراخَه فتشرَّدا 

فتخاله والصدْرُ يَنْفثُ نارَه 

من كل زافرة تُريق الأكبُدا 

حَمَلاً يَدُ الجزَّار دقَّتْ عمره 

فقضَى بصرخته على حَدِّ الـمُدَى 

مِحَنٌ مُرَزِّئَةٌ وموتٌ عاصفٌ 

لم يُبْقِ شيخًا في الحمَى أو أمْردا 

يا رُبَّ وادٍ في الصباح منضَّرٍ 

غَيْسانَ باكره السنا فتأوّدا 

لما دهَتْه الحادثات ضُحَيَّةً 

وسرَى دُخَان الموت أقْتَمَ أربدا 

نفضتْ خمائلُه شبيَّةَ عمرها 

وتَصَاوحتْ فغدت مَحيلاً أجْردا 

ما ذنبها؟ ما ذنبُ صَيْدَحِها الذي 

قد كان يسجع في الظلائل منشدا 

خُنِقتْ مزاهره ومات نشيدُهُ 

ونأى عن الوطن الحبيب وأُفْردا 

لولا هياجُ الحرِّ ديسَ مِهادُه 

لثوَى بجنته وظلَّ مغرِّدا 

يا يومَ «بلَفْورٍ» وشؤمُكَ خالدٌ 

ما ضرَّ لو أخلفت هذا الموعدا؟ 

عاهدْتَ أعزالَ الجسوم، سلاحُهم 

ما كان إلا الحقَّ صاح مقيَّدا 

وتركتَهم رهْنَ المطامع تبْتَغِي 

منهم على حرِّ المواطن أعبُدا 

ثاروا بأرض الله ثورةَ عاجزٍ 

سمع القويُّ شَكاتَه فتوعَّدا 

هاجوا على الأصفاد هَيْجةَ ناسكٍ 

زحَمَتْه آثامُ الصِّبا فتمرَّدا 

هجمت على الغار المطهَّر في الدجَى 

فأثار عُزلتَه، وهاج المعبدا 

ضجوا على «نابلْسَ» حتى كاد من 

صخب الأسَى والحزن أن يتنهّدا 

عجبًا يكاد الصخر يدمع رحمةً 

لهمُ وقلبُ الآدميِّ تَصلَّدا 

ومعالم الإسلام بين ربوعهم

كادت تُزَمْجر لهفةً وتوجُّدا 

بسطت إلى قدم النزيل رحابَها 

فبغَى على قسماتها وتهدّدا 

وهْوَ الذي لولا نعيم ظلالها 

لمضَى على كَنَفِ الوجود مُشَرَّدا 

والشرقُ؟ وَيْحَ الشرقِ نام أسودُه 

عِن ثائر في القدس ضجَّ وأُرعدا 

شَلَّتْ عزائمُهم ونامَ جهادهم 

وتَصرَّعوا في كل مهدٍ هُجَّدا 

 

About عبدالرحمن ريماوي

Check Also

يا نخلةً في مروج الريف تعرفني – هاجر عمر

يا نخلةً في مروج الريف تعرفني قولي لهم إنني أنأى عن المدنِ ففي شوارعها زيفٌ يلوذ به خوفٌ،وفي بحرها موجٌ من الفتنِ

%d bloggers like this: