خفايا الروح لصفاء فارس الطحاينة
سقيفة المواسم الألكترونية
جاءت قصص صفاء فارس الطحاينة وهي فنانة تشكيلية وصاحبة ذائقة فنيّة رفيعة تجمع بين تموجات وظلال الخطوط وإيقاع الحرف الشفاف، تأتي مجموعتها القصصيّة الأولى باكورة إبداعها (خفايا الروح) التي تحمل مضامين عميقة وتقنيات فنية عالية وخطاب سردي تمزج بين الخيال والرمز والمجاز بنسق جمالي وبصور مبتكرة، فالقاصة تعي تماماً كيفية بناء قصصها وترتيب أحداثها ووقائعها ونسيج سردها بعيدةً عن البناء السردي التقليدي فقد كسرت التوقعات دلالة واضحة على فهمها لبناء القصة القصيرة موظفةً أسلوب المغايرة والمفارقة مع ترك النهايات المفتوحة المدهشة، بلغة شفافة كاشفة عن لواعج النفس الداخلية من خلال الحالة الجوانية أو النفسية لشخصيّات هذه القصص.
لقد كشفت عن هذا الواقع وقضاياه وهمومه من خلال الفرد والمجتمع ومستجدات العصر بما يمر به من أحداث وقضايا، وتناقضاته العجيبة بالإيحاء دون التصريف، فالخيال والواقع في مجموعتها يسيران في خطين متوازيين.
لقد جاءت عتبات النص في هذه المجموعة في غاية الذكاء والتفنن والإتقان، بما يحمل من جماليات وتكثيف وإغراء وإعلام، فعتبات النص في العمل الإبداعي هو السطر الأول الذي يقع عليه عين القارئ والمفتاح الدال، وله سحره الخاص وسلطته الفاعلة، ويشكل في ذاكرة المتلقي الفتيل الأول والومضة الساطعة نحو التفسير والتأويل، لقد أجادت القاصة في اختيار عناوينها (الشبكة العنكبوتية/ صدفة/ ليلة القبض على أنفاسي/ غاية أخرى/ خفايا الروح/ نوبة حنين/ جدار الصمت/ غيمة أيلول/ صمتك أنا اسمعه/ ولات حين مندم/ قريحة كاتبة/ عابر جسد/ ذكريات الزمن القادم/ هاجس سعاد/ جذور لا تبرح مكانها/ آلام حان قطافها/ حلم الأمس/ اكتئابات خريف العمر/ قلق جامح/ القصة العشرون).
إن هذه المجموعة القصصية بما تحمل من دفقات شعورية ووجدانية وإنسانية تغريك، فالقراءة والتأمل والمحاورة بما تحمل من طاقات تعبيرية ولوحات فنية رسمتها بريشة مدادها حروف طافحة بالصور والأخيلة بأجمل الألوان والصور تتمازج فيها حول الوجد والوجدان مثل رحيق الأزهار تفوح منها عطراً ويتسامى منها بوحاً وجمالاً وفضاءاً محلق يضيء القلب ويبهج النفس. وكانت القاصة موفقة في اختياراتها وتناصاتها في مقدمة قصصها لكبار وقامات الإبداع العربي.
لقد جاءت هذه المجموعة بسردية عالية، وفضاء من الصور وشجن متدفق من القلب والوجدان، تنتقي من أعالي الكلام لفظه وجمله ومعانيه ومشاهد من الصور والأحداث، بدقة وعناية، بحبرها ونبضها وريشتها المتدفقة، بتعبير وأسلوب تجريبي حداثي في عوالم القصة، فهي تنأى عن الأساليب المألوفة الجاهزة، فالسرد ينافس الخيال في تشكيل جملها وصورها كأنها ترسم لوحات فنيّة أخّاذة، فهي تفرغ طاقاتها التعبيرية المكنونة ومحمولاتها الداخلية بفنيّة عالية، فهي تجمع بين خيوط الواقع والتداعيات النفسيّة واللغة بحرفية عالية.
لقد جاءت الأحداث في هذه المجموعة متماسكة مترابطة، ترتبط مع بعضها بعضًا دون خلل أو توسع زائد، وضمن ترتيب محكم متسلسل ومتلاحم في البداية والنهاية، واللغة بشفافيتها وجمالها كانت كاشفة وأداة توصيل وحوار منطقي يكشف عن فضاءات وضلال الزوايا الخفية.