جريدة وإذاعة سقيفة المواسم الثقافية ثقافية ، اجتماعية ، فنية
خسارات يوشع بن نون – صلاح بولاوي
نموتُ منذ أنْ بكى الحمامْ
مذْ كان نهرنا العظيمُ نائماً
ونحن في ظلاله نيامْ
فداسنا الأغرابُ مثقلين بالرّماحِ والسيوفِ والفرسانْ
وهدّموا قلاعنا
وأحرقوا أشجارنا
وقتّلوا الرجال والنساء والصبيانْ
قد يكذبُ التاريخُ وهو كاذبٌ
فكيفَ حتى الآنْ
سيوفهمْ على رقابنا
وخيلهمْ تطارد الأوهامْ
فينبشون في عقولنا
ويحفرون في جروحنا
ويسرقون من نسائنا الأرحامْ
وثأرهمْ كنعانْ
.
يقالُ في هوامش الرياح والمتونْ
يقال والزمان كذبةٌ كبيرةٌ
يقال إنّ يوشع بن نونْ
لمّا انتهى وجندهُ
من قتل سكان أريحا
عاد مرةً ومرةً
ليبقر البطونْ
يقال إن نطفةً
في رَحْمِ ذلك الجنونِ لم تمتْ
وإنّ ذلك الجنين صار غابةً
والقرية التي أبادها
عادت إلى الوجودْ
فعاد من جديدْ
.
يا يوشع ابن الرّملِ جاءكَ الطوفانْ
الشمس لن تنصاع للظلام بعد الآنْ
الشمسُ في الأنفاقِ تُشعلُ النيرانْ
.
يا يوشع المعجون بالدمِ المُراقْ
مهما ضربتَ من أبواقْ
لن تهدمَ الأنفاقْ
يا قاتل الجواب والسؤالْ
اليومَ لا جدالْ
لن يكتب التاريخُ مرةً جديدةً بأنك انتصرتْ
ولن يردد الرواةُ ما رويتْ
ولن تمرَّ مثلما مررتْ
إلى يبوسْ
ولن تطيعكَ الشموسْ
ولن نكون مثلكم خرافة تتوه في سيناءْ
فعُدْ كما أتيتَ من مجاهلِ الصحراءْ
فاللهُ ليس اللهَ يوم كنتَ تأمرُ الإلهْ
الله روحُ طفلةٍ يتيمةٍ
ورجعُ آهْ
الله صوتُ الراجفين في خيامهمْ
الله عين الثابتين فوق جوعهمْ
والطالعين كالنجوم من ظلامهمْ
الله صرخةٌ بريئةٌ على فمٍ
الله ما تقول طفلةٌ صغيرةٌ
(سالي) التي جوّعتَ يا ابن نونْ
يأكلها حصاركُ المجنونْ
وخبزها مرٌّ مرارة الحصار والسجونْ
فهل سمعت ما تقولْ
ستأكلُ الأعشابْ
وتشرب السحابْ
بعمرها الغضِّ القليلْ
لكي تظلَّ كالنخيلْ
شامخةً شمّاءْ
وهل سمعتَ صرخةَ التي تدور في شوارع البكاءْ
تبحثُ عن وليدها
عن ولدٍ ما ولدتْ كمثله النساءْ
عن يوسف الذي تقولُ صافياً كالماءْ
وأشقراً كحنطةِ السماءْ
وشعره (كيرلي) كأنَّ من حكايةٍ قديمةٍ قد جاءْ
فهلْ تُغيّبونَ يوسفاً لمرتين في التوراةْ
وهل سيكتب الرواةْ
بأنّ مصرَ أرجعتْ قميصهُ
فعادَ للحياةْ
وهلْ أتاكْ
حديثُ طفلةٍ رضيعةٍ
أغارت المسيّراتُ ذات ليلةٍ على حليب أمها
وداستْ المجنزراتُ لحمها
لكنها نَجَتْ
لأنها ارتمتْ
في حضن أغنيةْ
مستجديةْ
بلثغةٍ مستجديةْ
مَنْ لا ينامُ أن يراكْ
فجاءها الغناءُ من هناكْ
ملاكُ يا ملاكْ
يا طفلةً وحيدةً في شارع الهلاكْ
ملاك يا ملاكْ
الله قد أنجاكْ
فيا سليل الموت والخرابْ
الميتون ليس نحن في حكاية الغرابْ
فتَحْتَ كلِّ منزلٍ مهدّمٍ
مقاتلٌ عنيدْ
وخلف كلِّ وردة شهيدْ
أولادنا صفاتنا
وأرضنا صَلاتنا
والبحر حلمنا البعيدْ
وأنت ما تريدْ
ونحن ما نريدْ
سالي ويوسف وملاك، أطفال من غزة انتشرت فيديوهات تعبّر عن مأساتهم في قطاع غزة.
19/2/2024
