مستشفى المعمدان
قصة: بشرى أبوشرار- فلسطين
هناك تركت مطارح أقدامي , هناك حيث بيت جدتي القريب منها , يوم وضعت كف يدي الصغير في كف امرأة خالي ” فايزة ” أخذتني إلى طريق يصل بنا ” مستشفى المعمدان ” أخذتنا تلة رملية وانبسطت أمامنا ساحة ” غزة ” يستدير من حولها سور المعمدان , يتوسطها بابها الخشبي الأخضر , عبرت الساحة , يدي في يدها , وقفنا من أمام البوابة , تدق بيدها , يصلنا الصوت , يفتح الباب وأنا إلى جوارها , تقابلنا ساحات تناثرت الورود عليها , درجات تأخذنا إلى أعلى , هدوء وصمت , حتى وقفنا بباب حجرة أمي التي وضعت وليدها وكان ميلاد الفرح في قلوبنا …
*** ***
كيف لي أن أنسى يوم انسكب الماء الساخن على وجه أختي ” سلافة ” كانت مستشفى المعمدان تضمها , فقدنا الأمل في عودتها , هي لا تعرف مواقيت الألم الذي سكن دارنا , كم من الوقت عشنا فيه ودمعات أمي لم تجف , وصمت أبي وهواجسه من فقد قادم لن تحتمله قلوبنا , يوم ذهب إليها والدي , وصله همسها تناديه , هي مستشفى المعمدان التي أعادتها الينا طفلة أحبتها قلوبنا .
*** ***
يوم انتزعت أظافر يدي لحظة أغلق عليها الباب الحديدي , أخذت محمولة إلى مستشفى المعمدان , بكاء أمي ووجع يسكن قلبها أن اظافري لن تعود تسكن يدي , وصرت ما بين طريق بيتنا إلى ساحة السيارات حيث البوابة الخضراء , آخذ مكاني على مقاعد الاستقبال في المستشفى , يلتقط الطبيب يدي ويعالج جروحي النازفة , ثم آخذ طريقي مشيا على الأقدام , أعود إلى بيتنا وأمي على حالها وحديث لها لا يتغير أن أظافري لن تعود , وظل طريق المستشفى وقد اعتادت قدماي الذهاب إليه من بيتنا , هي أظافر يدي التي عادت تنبت من جديد , هي فرحة أمي وفرحة قلبي كلما نظرت إلى كف يدي أن صار لي أظافر كما باقي أخواتي .
*** ***
” مي مسعد ” وحافلة تقف بباب دارها التي تقابل دارنا , تأخذها إلى مستشفى المعمدان , تمضي اليها في عطلتها الصيفية , تتعلم من دروس وهوايات وألعاب , تقضي يوما كاملا هناك , كم من المرات كنت أنا وأخواتي في صحبتها , نلعب , نكتب , نعزف الموسيقى في قاعات جمعتنا هناك حيث مستشفى المعمدان .
اليوم اشتعلت النيران في قلب المعمدان من قذائف غدرهم , صوت ” مي ” يصلني باكيا عبر الأثير , وانا صرت هناك , وزوجة خالي ” فايزة ” رقدت في المقبرة التي تقابل بوابتها الخضراء , قلبي ذهب بعيدا , قد لا يعود … لا يعود …
*** ***
” ميرال ” يلصني صوتها باكيا , ترنيمة من روح الوجع , قالت لي أن أن معزوفتها الأثيرة غادرت البيانو , لم تستطع الاقتراب منه , البيانو سكنت مساحاته الأتربة , كيف لها أن تزيح عنه التراب وتعزف ” موطني ” قد تصير هناك في البعد البعيد وكيف لها أن تعود من جديد ….