ليس الغريب -علي بن الحسين السجاد(زين العابدين)
عبدالرحمن ريماوي
14 يناير، 2019
شعر من التاريخ
883 زيارة
| لَيْسَ الغَريبُ غَريبَ الشَّامِ واليمنِ |
|
إِنَّ الغَريبَ غَريبُ اللَّحدِ والكَفَنِ |
| إِنَّ الغَريِبَ لَهُ حَقٌّ لِغُرْبَتهِ |
|
على الْمُقيمينَ في الأَوطانِ والسَّكَنِ |
| لا تَنْهَرَنَّ غَريباً حَالَ غُربتهِ |
|
الدَّهْرُ يَنْهَرَهُ بالذُّلِ و المِحَنِ |
| سَفْرِي بَعيدٌ وَزادي لَنْ يُبَلِّغَني |
|
وَقُوَتي ضَعُفَتْ والموتُ يَطلُبُني |
| وَلي بَقايا ذُنوبٍ لَسْتُ أَعْلَمُها |
|
الله يَعْلَمُها في السِّرِ والعَلَنِ |
| ما أَحْلَمَ اللهَ عَني حَيْثُ أَمْهَلَني |
|
وقَدْ تَمادَيْتُ في ذَنْبي ويَسْتُرُنِي |
| تَمُرُّ ساعاتُ أَيّامي بِلا نَدَمٍ |
|
ولا بُكاءٍ وَلاخَوْفٍ ولا حزَنِ |
| أَنَا الَّذِي أُغْلِقُ الأَبْوابَ مُجْتَهِداً |
|
عَلى المعاصِي وَعَيْنُ اللهِ تَنْظُرُني |
| يَا زَلَّةً كُتِبَتْ في غَفْلَةٍ ذَهَبَـتْ |
|
يا حَسْرَةً بَقِيَتْ في القَلبِ تُحْرِقُني |
| دَعْني أَنُوحُ عَلى نَفْسي وَأَنْدُبُها |
|
وَأَقْطَعُ الدَّهْرَ بِالتَّذْكِيرِ وَالحَزَنِ |
| دَعْ عَنْكَ عَذْلِيَ يَا مَنْ كانَ يَعْذُلُني |
|
لَوْ كُنْتَ تَعْلَمُ ما بِي كُنْتَ تَعْذِرُنِي |
| دَعْنِي أَسُحُّ دُموعًا لا انْقِطاعَ لَها |
|
فَهَلْ عَسَى عَبْرَةٌ مِنْهَا تُخَلِّصُني |
| كَأَنَّنِي بَينَ جل الأَهلِ مُنطَرِحاً |
|
عَلى الفِراشِ وَأَيْديهِمْ تُقَلِّبُني |
| وَ قَدْ تَجَمَّعَ حَوْلي مَنْ يَنوحُ و مَنْ |
|
يَبْكي عَلَيَّ و يَنْعاني و يَنْدُبُني |
| وَ قَدْ أَتَوْا بِطَبيبٍ كَيْ يُعالِجَني |
|
وَلَمْ أَرَ الطِّبَّ هذا اليومَ يَنْفَعُني |
| واشَتد نَزْعِي وَصَار المَوتُ يَجْذِبُها |
|
مِن كُلِّ عِرْقٍ بِلا رِفقٍ ولا هَوَنِ |
| واستَخْرَجَ الرُّوحَ مِني في تَغَرْغُرِها |
|
وصارَ رِيقي مَريراً حِينَ غَرْغَرَني |
| وَغَمَّضُوني وَراحَ الكُلُّ وانْصَرَفوا |
|
بَعْدَ الإِياسِ وَجَدُّوا في شِرَا الكَفَنِ |
| وَقامَ مَنْ كانَ حِبُّ النّاسِ في عَجَلٍ |
|
نَحْوَ المُغَسِّلِ يَأْتيني يُغَسِّلُني |
| وَقالَ يا قَوْمِ نَبْغِي غاسِلاً حَذِقاً |
|
حُراً أَديبًا أَريباً عَارِفاً فَطِنِ |
| فَجاءَني رَجُلٌ مِنْهُمْ فَجَرَّدَني |
|
مِنَ الثِّيابِ وَأَعْرَاني وأَفْرَدَني |
| وَأَوْدَعوني عَلى الأَلْواحِ مُنْطَرِحاً |
|
وَصارَ فَوْقي خَرِيرُ الماءِ يُنْظِفُني |
| وَأَسْكَبَ الماءَ مِنْ فَوقي وَغَسَّلَني |
|
غُسْلاً ثَلاثاً وَنَادَى القَوْمَ بِالكَفَنِ |
| وَأَلْبَسُوني ثِياباً لا كِمامَ لها |
|
وَصارَ زَادي حَنُوطِي حينَ حَنَّطَني |
| وأَخْرَجوني مِنَ الدُّنيا فَوا أَسَفاً |
|
عَلى رَحِيلٍ بِلا زادٍ يُبَلِّغُني |
| وَحَمَّلوني على الأْكتافِ أَربَعَةٌ |
|
مِنَ الرِّجالِ وَخَلْفِي مَنْ يُشَيِّعُني |
| وَقَدَّموني إِلى المحرابِ وانصَرَفوا |
|
خَلْفَ الإِمامِ فَصَلَّى ثُمَّ وَدَّعَني |
| صَلَّوْا عَلَيَّ صَلاةً لا رُكوعَ لها |
|
ولا سُجودَ لَعَلَّ اللهَ يَرْحَمُني |
| وَأَنْزَلوني إلى قَبري على مَهَلٍ |
|
وَقَدَّمُوا واحِداً مِنهم يُلَحِّدُني |
| وَكَشَّفَ الثّوْبَ عَن وَجْهي لِيَنْظُرَني |
|
وَأَسْكب الدَّمْعَ مِنْ عَيْنيهِ أَغْرَقَني |
| فَقامَ مُحتَرِماً بِالعَزْمِ مُشْتَمِلاً |
|
وَصَفَّفَ اللَّبْنَ مِنْ فَوْقِي وفارَقَني |
| وقَالَ هُلُّوا عليه التُّرْبَ واغْتَنِموا |
|
حُسْنَ الثَّوابِ مِنَ الرَّحمنِ ذِي المِنَنِ |
| في ظُلْمَةِ القبرِ لا أُمٌّ هناك ولا |
|
أَبٌ شَفيقٌ ولا أَخٌ يُؤَنِّسُني |
| فَرِيدٌ وَحِيدُ القبرِ، يا أَسَفاً |
|
عَلى الفِراقِ بِلا عَمَلٍ يُزَوِّدُني |
| وَهالَني صُورَةً في العينِ إِذْ نَظَرَتْ |
|
مِنْ هَوْلِ مَطْلَعِ ما قَدْ كان أَدهَشَني |
| مِنْ مُنكَرٍ ونكيرٍ ما أَقولُ لهم |
|
قَدْ هالَني أَمْرُهُمْ جِداً فَأَفْزَعَني |
| وَأَقْعَدوني وَجَدُّوا في سُؤالِهمُ |
|
مَالِي سِوَاكَ إِلهي مَنْ يُخَلِّصُنِي |
| فَامْنُنْ عَلَيَّ بِعَفْوٍ مِنك يا أَمَلي |
|
فَإِنَّني مُوثَقٌ بِالذَّنْبِ مُرْتَهنِ |
| تَقاسمَ الأهْلُ مالي بعدما انْصَرَفُوا |
|
وَصَارَ وِزْرِي عَلى ظَهْرِي فَأَثْقَلَني |
| واستَبْدَلَتْ زَوجَتي بَعْلاً لها بَدَلي |
|
وَحَكَّمَتْهُ على الأَمْوَالِ والسَّكَنِ |
| وَصَيَّرَتْ وَلَدي عَبْداً لِيَخْدُمَه |
|
وَصَارَ مَالي لهم حلاً بِلا ثَمَنِ |
| فَلا تَغُرَّنَّكَ الدُّنْيا وَزِينَتُها |
|
وانْظُرْ إلى فِعْلِها بالأَهْلِ والوَطَنِ |
| وانْظُرْ إِلى مَنْ حَوَى الدُّنْيا بِأَجْمَعِها |
|
هَلْ رَاحَ مِنْها بِغَيْرِ الحَنْطِ والكَفَنِ |
| خُذِ القَناعَةَ مِنْ دُنْيَاك وارْضَ بِها |
|
لَوْ لم يَكُنْ لَكَ إِلا رَاحَةُ البَدَنِ |
| يَا زَارِعَ الخَيْرِ تحصُدْ بَعْدَهُ ثَمَراً |
|
يَا زَارِعَ الشَّرِّ مَوْقُوفٌ عَلَى الوَهَنِ |
| يا نَفْسُ كُفِّي عَنِ العِصْيانِ واكْتَسِبِي |
|
فِعْلاً جميلاً لَعَلَّ اللهَ يَرحَمُني |
| يَا نَفْسُ وَيْحَكِ تُوبي واعمَلِي حَسَناً |
|
عَسى تُجازَيْنَ بَعْدَ الموتِ بِالحَسَنِ |
| والحمدُ لله مُمسينَـا وَمُصْبِحِنَ |
|
مَا وَضَّأ البَرْقُ في شَّامٍ وفي يَمَنِ |
| ثمَّ الصلاةُ على الْمُختارِ سَيِّدِنا |
|
بِالخَيْرِ والعَفْوْ والإِحْســانِ وَالمِنَ |
Related