قراءة في رواية رنا أبو سليمان (اعتذار واحد لا يكفي)
بقلم:محمد المشايخ
منذ سنين طويلة، ونقاد الأردن يفتقدون الرواية البوليسية، التي خلـّدتها الروائية الإنجليزية إجاثا كريستي، التي شغلت العالم في كل ما كتبته في البحث عن القاتل، والذي يكون في العادة شخصا غير الذي يتوقعه القارئ، وها هي الروائية رنا زكريا أبو سليمان المشهورة باسم(كاري رزق)(عضو رابطة الكتاب الأردنيين، وعضو الإتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، وعضو اتحاد كتاب آسيا وإفريقيا، وعضو الإتحاد الدولي للكتاب) تـُصدر روايتها(اعتذار واحد لا يكفي) لتعوّض النقص الحاصل في الساحة الأدبية المحلية تجاه أدب الجريمة بما فيه من ألغاز القتل، والغموض، فتُصنف روايتها ضمن الروايات البوليسية التي تركز على الأفعال الإجرامية، والتحقيق الذي يتبعها، وتستند إلى الخيال الإجرامي /البوليسي، فتبدأ وتنتهي وهي تتساءل: (من الجاني؟ أو من السفـّاح)، وتنتمي رواية رنا، إلى دراما الجريمة، التي يتم فيها التحقيق في الجرائم دون أن تحتوي على قاعة للمحكمة، ويُعدّ التشويق والغموض فيها من العناصر الرئيسية التي تجذب القارئ.
تكتب رنا روايتها بوعي ويقظة، بهدف تكريس الأمن والأمان، والتعايش المبني على السلم الاجتماعي، والعدالة، والمحبة بين البشر، منتصرة إلى الخير في مواجهة الشر، وتسعى في كل كلمة كتبتها، إلى استئصال الفاسدين، والمجرمين، والساديين الذين لا يهنؤون إلا إذا ألحقوا الأذى الجسدي والمعنوي بأقرب الناس إليهم، تنتصر رنا للضحايا، وتفتك بالذين يزيدون لوعة المعذبين في الأرض، وتملتك لتحقيق هذه الغاية، عدة تقنيات منها: الميتا قص،وهو نفسه الميتا سرد، وهو القص الذي يجعل من نفسه موضوع حكيه، ويُسمى السرد المفتون بذاته، إذ تختار الروائية لشخصيات روايتها وظيفة أخرى مضافة لوظيفتهم الأصلية، فهم ساردون ضمنيون، مثلما هم أبطال ضمنيون داخل اللعبة السردية وخارجها، فتـُترك الرواية تـُـفكر في ذاتها بعد أن وضعت مخططا افتراضيا لكتابتها، وهنا كانت الروائية واقعية، بينما كانت الساردة تخييلية.
كما لجأت الروائية رنا أبو سليمان إلى الواقعية السحرية، التي تقوم على العجائبي أو الغرائبي، أو الفنتاستيك، أوالسريالي، الذي من خلاله تطور وعي الإنسان تجاه العوالم الخفية وتأثيرها على رؤيته للعالم والكون.
من أهم مواصفات قصة ما بعد الحداثة الخلق والابتكار، وفي كثير من صفحات رواية الروائية رنا أبو سليمان، ثمة ولوج إلى الخيال العلمي، المستند إلى الخيال المُحلق والمُجنح.
استخدمت الروائية تقنية تعدد الأصوات، فأيا كانت أسماء شخصيات روايتها:نسيم، وردة، ثروت، راجح، سائد، عصمت، ميسون، رحمة، راشد، نسيم..إلخ، فإن الشريرين من بينهم يمثلون شخصية واحدة(وإن تعددت أسماؤهم)والخيّرون من بينهم أيضا يمثلون شخصية واحدة(وإن تعددت أسماؤهم) سواء أكانوا يعملون في شركة الطاهر للتصميم والأزياء في(مدينة بودا السياحية)، أو في شركة الرؤيا للتصميم والأزياء في(مدينة راما الساحلية)، والجميل هنا أن الروائية أوضحت أن في كل التجمعات البشرية، وفي كل المؤسسات، صراع بين الخير والشر، وكلما انتقمت من شرير، أوصلت قارئها إلى نتيجة مفادها:أن يوم المظلوم على الظالم، أشد من يوم الظالم على المظلوم، وأن الظالم يحفر قبره بيده، وبالنسبة لي، لم أنشغل طيلة قراءتي للرواية في مشاركة المحقق في البحث عن المجرم، أو القاتل، أو عن الأدلة التي توصل إلى السفاح، فالروائية صاحبة نهج يختلف عن إجاثا كريستي، التي كانت تفاجئ قارئها بأن القاتل هو من كان يظنه بريئا وابعد الناس عن ارتكاب الجرائم، أما رنا زكريا، فاستطاعت من خلال تقنية تعدد الأصوات، أن تجعل الظالم يبطش بنفسه، وفي كل مرة تنسب جريمة القتل إلى السفاح الذي لم ينكشف رغم كثرة الأدلة التي كانت توصل إليه، وضمن الفنتازيا، كانت الروائية تستخدم تقنية الحروف والأرقام المستخدمة في أحد الخطوط العربية القديمة، والتي تبدو للقارئ أنها من الأحرف المستخدمة في الحـُجـُب، والأعمال السحرية.
“اعتذار واحد لا يكفي” و”موت واحد أيضا لا يفي”رواية ذات طابع سيكولوجي نفسي في عالم الجريمة والخيال، تجعل الظالم لحظة قتله يطلب فرصة للحياة، كي يُغيّر سلوكه الشرير، ولكن الروائية لم تكن تسمح لشخصياتها أن تعطيه الفرصة، بل تنتقم منه شر انتقام.
بلغت جماليات السرد في هذه الرواية ذروتها، عندما كانت رنا سليمان تسبق عمرها، لتكتب، بأسلوبين، أحدهما يرق، ووصفها يملأ الدنيا بهجة وسعادة في لحظات الفرح، ووفي الثاني بلغ العنف السردي مداه، لحظة قتل الظالمين والتمثيل بأجسادهم وهو أحياء، ويكفينا كقراء ما ورد في هذه الرواية على لسان بطلتها وردة، من كلمات كانت تلامس شغاف القلب والروح، في لحظات فرحها وتجليها، عبر المشاهد السينمائية التي رسمتها رنا بدقة وعناية لهذه الفنانة التشكيلية التي دخل السحر إلى لوحاتها، عندما أبرزت من خلالها، لوحة تتضمن أحرفا تحدد برمزية مطلقة كل من سيقع عليه الدور في القتل، مع تحديد الزمان والمكان، وفي الحوار غير المسرحي الذي تخلل الرواية، بدا سيناريو الفيلم أو العمل الدرامي الذي سيتم إعداده عن هذه الرواية جاهزا.
وفي الختام، أشير إلى إبداع رنا في استخدامها أسلوب قصة داخل قصة في أثناء الرواية وكأنها في بعض فصولها ومشاهدها تقوم على متوالية قصصية متينة السبك، وأيضا في استخدامها لأسلوب وجهات النظر الذي ابتكره على الصعيد العربي نجيب محفوظ، وعلى الصعيد المحلي مؤنس الرزاز.