ولد الشاعر الفلسطيني عبد الله حداد بحيفا عام 1938 م ، وعاش أول عشر سنوات من طفولته فيها ، ومن ثم غادرها في عام 1948 م مع أهل أبيه تاركاً وراءه أمه التي لم يشأ القدر بعدها أن يجمعه معها ، وترك عبد الله حداد مهد طفولته وأزقتها وحلم الشباب وراءه لينتهي به الحال بشتات دام حتى وافته المنية .
ترك عبد الله حداد حيفا متجهاً نحو سوريا ، ومنها إلى لبنان الجريح ، حيث كانت انطلاقته الفنية ، فبدأ العمل في كتابة البرامج الفنية للإذاعة هناك ، متنقلاً بين التأليف والإعداد والتلحين والكتابة المسرحية واللحن والأغنية التي ما كانت تعبر إلا عن نبض الشارع الفلسطيني بحزنه وألمه ،وهمه وفرحه … وشارك بالعديد من المسلسلات والأفلام اللبنانية والمصرية .
أعــمــالــه
ركز حداد منذ الستينات والسبعينات وحتى بداية الثمانينات على القضية الفلسطينية والانتماء للوطن ، وعمل في مسيرته على تجديد التراث الفلسطيني ، حيث كان يأخذ الموسيقى التراثية الفلسطينية ويضيف إليها كلماته كأغنية ” والله شفتك يا علمي ” التي أدخلها أيضاً في عمله “العرس الفلسطيني ” والتي لاقت صدى كبيراً في ذلك الوقت وما زالت حاضرة حتى يومنا ، إضافة إلى تناوله الفلكلور العربي الشرقي بتفاصيله متنقلا ًبه بين أكثر من دولة حرصاً منه على تقديم العمل الشامل الذي يخاطب الجميع إيمانا منه بأن الفن لغة يفهمها الجميع .
وقد عمل في الإذاعة والتلفزيون ،وقدم العديد من المسلسلات ،منها: مسلسل ” النهر اللبناني ” ، و ” النوق الأبيض ” ، و “وآمعتصماه ” ، حيث جسد شخصية الشاعر أبو تمام وكان عملاً مشتركاً مصرياً وأردنياً ولبنانياً ، ومن أعماله أيضاً فيلم ” الملجأ ” الذي تحدث فيه عن حرب لبنان في السبعينات وعن القناصة ولجوء الناس إلى المخيمات والملاجئ ومعاناة الحرب وقسوتها .
ومن كتاباته أيضاً ” أنا عربي أصيل ” ، و” القهوة ” ،و” الميزانية ” ، و”لا بنيلك ” ، و”لعبة ” ،و” يا مهرتي ” إضافة إلى تأديته لدور “كوجي كابوتو ” في الفيلم الكرتوني ” جرانيدايزر ” .
وفي بداية الستينات أسس فرقة “مدار الشعبية للفنون ” في لبنان التي قدمت عروضها مباشرة ، كما درس الأطفال في مدارس إسعاد الطفولة والصمود ، وهي مدارس تعنى بالأطفال الأيتام ،حيث درسهم الموسيقى بالمشاركة مع فنانين آخرين وموزعين موسيقيين مختصين ، وكان حداد مسؤولاً عن الكلمة واللحن ، حيث كانت الفرق التي خرجت من المدارس تسافر وتجول في العديد من الدول العربية والأمريكية والأوروبية لعرض الفلكلور والفن الفلسطيني بوجه حضاري بالكلمة والموسيقى ، ونالت هذه الفرق قبولاً ونجاحاً كبيراً في ذلك الوقت ، وتم تأسيس فرقة ” زهرة المدائن ” فيما بعد وهي فرقة تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية . وأعضاء الفرقة كانوا من أطفال مدرسة إسعاد الطفولة الذين أصبحوا شباباً أصروا على الاستمرار في الفرقة لتقديم الفن الفلسطيني للعالم .
كما عمل في مشواره الفني على تقديم الفن السياسي بلغة نقدية لنقد الوضع العام والوضع العربي تجاه القضية الفلسطينية والعربية بشكل عام ، وكان يترجمها عبر أغانيه
4
ولا نستغرب تسميته ب” فنان الثورة الفلسطينية ” ؛ نظراً لحرصه على أن يقدم الحالة ويتحدث بروح فلسطين بعيداً عن السطحية في كلماته أو ألحانه الموسيقية .
منحته دولة ألمانيا في إحدى جولاته الفنية مع الأطفال لقب ” المربي الفاضل ” لما لاحظوه من حب الأطفال له ، إضافة إلى ما تم تقديمه من تنسيق وترتيب في أعماله .
وتقول ميس ابنته : ” نحن كنا نعي لوالدنا الإنسان الفنان وندرك جماليات ما قدمه من أعمال فنية جميلة ، فوالدي كان مليئاً بالحب والتواضع ،ولقد عودنا على الاحترام ،وكان حريصاً دائماً على تعليمنا ” .
وفي الحديث عن الحب تقول : لم نلمس في قصائد الحب عند والدي امرأة بقدر ما كان حباً للوطن ففي أعماله قال :
لابنيلك على كتف القمر بيت
يشرف على القدس مباشرة
وتشوفي منو أعظم بيت
مع كنيسة المهد الطاهرة
5
وتضيف ” لقد كان والدي محبوباً من الجمهور وكانوا يرددون أغانيه ويطلبونها ، وجمعته علاقة بالكثير من الفنانين اللبنانيين والأردنيين إضافة إلى فنانين عرب ” .
وتابعت ” لطالما راود أبي حلم العودة إلى وطنه فلسطين ،فهي قضيته الأولى والأخيرة ، وهذا بدا واضحاً في أغانيه وأشعاره ، فهي مليئة بالحنين للوطن ، وتطالب بالعودة فهو رافض لفكرة الهجرة والغربة ،وخاض نضاله الخاص تجاه قضيته بفنه الذي اعتبره أهم أساليب النضال .
لــجــوءه
لجأ عبد الله حداد إلى الدنمرك حاملاً قضيته في قلبه وعقله … حاملاً مشواره الطويل مع الكفاح ، رافضاً كل الذل والإهانات والرضوخ لقيادة أرادت له الفناء .
لقد كانت الغربة بالنسبة له غولاً أحاط به وبأحلامه تجاه قضيته ، إنما إيمانه بالله وبالقدر المحتوم وبأنه في هذه البلاد سوف يكون مطمئناً على بناته الأربع ، كان العامل الايجابي في غربته .
وعرضت عليه الدولة الدنمركية منذ البداية أن يقوم بالتعليم في معهد الموسيقى أن ينشأ فرقة ، ويتم دعمها بكل الوسائل المتاحة لديهم لما وجدته لديه من إمكانيات في التلحين والكتابة وتدريب الأطفال في هذا المجال . ففي مثل هذه الدول تستغل الكفاءات ولا تهمل وتحارب ، وإنما يقدم لها الاحترام والتقدير والدعم المادي والمعنوي للرفع مستوى إنتاجها الفني وإظهاره على أرض الواقع من خلال ما ينتجه من أعمال فنية رائدة . ولكن حالته الصحية حالت دون تشكيل فرقة دنمركية فلسطينية قادرة على إحياء التراث الفلسطيني .
رحــيــلــه
في أواخر الثمانينات مرض حداد بمرض القلب ، وعانى كثيراً ، وبمراحل متقدمة نصحه الأطباء بعدم ممارسة الغناء على المسرح . لكن الموسيقى بقيت روحه وهي التي تمده بالبقاء إلى أن رحل في بداية التسعينات تاركاً إرثاً فنياً كبيراً ، حيث قضى ثلاث سنوات في الدنمرك بهدوء واستقرار وأمان ،حيث كان يراوده سؤال لماذا ينتهي به الحال هنا عند أكوام الثلج الذي بات يرفض اللجوء إليها .
وانتهى الحال بالفنان الفلسطيني عبد الله حداد بلجوء جديد في بلاد الشمال الأوروبي الدنمركي عام 1990 م ، وهناك كان مثواه الأخير عام 1994 م ، وهناك قال لأسرته : ” يؤلمني أني سأترككم في بلاد الغرب ، مطمئن النفس أنكم ستعيشون عيشة كريمة ،ويؤسفني أنني لن أكون مطمئناً لو تركتكم تحت كنف حكومة عربية ” .
توفي الفنان الفلسطيني عبد الله حداد بعد مشوار طويل من النضال ،وهو يشعر بالألم لما انتهى عليه الحال ، فهو لم يكن يوماً بعيداً عن قضية فلسطين ، فلسطين التي أعطاها عمره ورفض من أجلها ما كان سيغنيه عن الشقاء والشتات . ولكن لم يكن إيمانه بفنه وقضيته طلباً للمنفعة الشخصية .
لقد كانت القضية الفلسطينية اسمه وعلمه وهويته ، ولم يكن عبد الله حداد ليختار الغرب مستقراً له وتاركاً وراءه تاريخ نضاله ونضال شعبه الباسل ، وهو كان دائم القول : ” اللي بيخلع ثوبه بيعرى ” . لكن ماذا كان عساه أن يفعل عندما أرادوا له أن يختار ما بين الموت وبين لجوء جديد حين صدر قرار القيادة الليبية بنقله إلى صحراء السارّة بحجة حماية الحدود الليبية ، ولم يكن عبد الله حداد جندياً ، فهو الفنان الذي طالما بكلماته عبر عن قضية فلسطين . فأبعدوه بعد أن أصبح يشكل تهديداً بكلماته الحرة التي كانت تضرب بعمق الحقيقة المرة التي يعيشها الشعب الفلسطيني .
فتوفي الفنان الفلسطيني عبد الله حداد في الدنمرك عام 1994 م ، يوم الاثنين الموافق 24 كانون الثاني ، ودفن في مدينة أور هوس ، التي تعتبر ثاني أكبر مدينة في الدنمرك تاركاُ وراءه الكثير من الأعمال التي ما زالت تحيي ذكراه
خاتمة
الحمد الله الذي هداني وما كنت لأهتدي لولا أن هداني الله ن ابرز وأوضح ماهية شعره وفنه الفلسطيني, وأهم الصفات التي يمتاز بها ومن أهم النتائج التي توصلت أليها في بحثي هذا:-
· أن شخصية الشاعر عبد الله حداد لم تأخذ حقها من أبناء العربية بشكل عام والشعب الفلسطيني بشكل خاص.
· أن حياة وتاريخ حداد حافلة بالأعمال الفنية والوطنية والتاريخية والتراثية .
· أن الشاعر عانى كثيرا أثناء طفولته سواء في بعده عن والدته أم رحيله وهجرته بين البلدان.
· أن الشاعر حداد شاعر الثورة والقضية الفلسطينية.
· أن الموسيقي هي روح الشاعر.
· أن حداد هو الأب والمربي والحاني على الأطفال.
· أن شعر حداد حظي بشعبية فائقة لأنه واسع الانتشار.
“والله ولي التوفيق”
المصادر والمراجع
a.amaaz.free.fr/autres.1
ahmedselawy.up-your.com.4
your.com.ahmedselawy.up