أنا الفلسطينيُّ
الذي تعلَّمَ أن يحملَ وطنًا في الجيب
ويدفنه كلَّ مساءٍ تحت الوسادة
كي لا تراهُ الكوابيس
الذي يتقنُ الوقوفَ
أمام الجدرانِ التي لا تنتهي –
ويخترعُ أبوابًا من الوهم
ومفاتيحَ من الأغاني القديمة.
أنا الفلسطينيُّ
الذي لا يملكُ أرضًا يُدفَنُ فيها
لكنه يزرعُ وردًا في المنفى
وينتظرُ أن يُزهرَ الخريفُ يومًا
في حقائب العودة.
حين رأيتُ القاتلَ يختبئُ
خلفَ قوانينِ الضوءِ والنظام
لم أصرخْ
لكنني كتبتُ على الحائطِ بصمتٍ:
“سنبقى”
ثم مشيتُ،
وفي قلبي طنينُ ألفِ نكسةٍ لم تُعلن.
وحين شاهدتُ العالمَ
يبتسمُ للرصاصِ المُلمَّع
ويصمتُ عن صرخةِ الطفلِ في الخيمة
لم أبكِ..
لكنّ يديّ ارتجفتا
كأنني أحملُ كلَّ تواريخ الخيانةِ دفعةً واحدة.
هل فرحتُ؟
نعم
حين نبتت في جدارِ السجنِ زهرةٌ
من ريقِ أمٍّ
ما زالت تغني لطفلها رغم الغياب.
هل ابتسمتُ؟
ربما
كمن يرى ظلَّ وطنه
يمرُّ في عيون العابرين
فيبتسمُ كي لا يُنسى.
أنا الفلسطينيُّ
الذي يعرفُ كيف يقرأُ الخريطةَ بالمقلوب
ويجدُ في كلِّ منعطفٍ
طريقًا إلى قُبلةٍ مؤجَّلة.
أنا والغيمُ والحنينُ
نسيرُ في دربٍ واحد
نخيطُ من الحطامِ نشيدًا
ونرجو لقلوبنا
أن تجدَ يومًا حياةً لا تُكتبُ بالحبرِ الأحمر.
سميا صالح/سوريا