آلهة الأرض..بقلم رائدة الطويل
عبدالرحمن ريماوي
30 مارس، 2019
الطويل, مقالات
584 Views
قد يكون المصطلح استفزازيا للبعض, وإن كان القصد من وراء استخدامه لا يمس الدين من قريب أو بعيد، فالدين بالنسبة لهم خطا أحمرا، لا يجوز الاقتراب منه عمداً أو سهواً أو كنايةً أو تلميحاً أو ضوحاً.
لا يقبل مسلم على وجه الأرض أن يكون لله جل في علاه منافسا، كما ولا يرضى الله سبحانه أن يُشرك به أحد أيا كان، لكنه مع ذلك قال في كتابه الكريم “أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى”، “واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون”، “أئفكا آلهة دون الله تريدون”، وغيرها الكثير من الآيات التي ذُكرت فيها الآلهة “الأرضية” التي يشرك فيها بالله.
كثيرون الذين يترصدون زلات اللسان، وهفوات السلوك، وخروج العقل والمنطق عن مألوفهم، وعن القوالب الدينية التي صنعوها بفتواهم وتفاسيرهم وتأويلاتهم، ليتسلقوا الدين ويصلوا إلى مطامعهم وغاياتهم التي تتنافى مع الفطرة الإنسانية والمنطق والخلق، فصار بمنظورهم الغناء والموسيقى والرسم وحف الشارب ولبس البنطال والتصوير وحب الحياة و..و..و.. حراما، فيما لم تهتز لهم شعرة على تخلف الأمة الإسلامية وتأخرها، وعلى ابتعادها عن النظام والنظافة واللباقة والتقدم والخلق. صرنا أمة بلا أخلاق، وبلا مبادئ، أمة تفتقر إلى الحق والعدل والخير، أمة تحكمها الشكليات المفرطة، والمظاهر الزائفة، والنفاق الديني المستفحل، أمة يأكل فيها القوي حق الضعيف، ويعتلي فيها الغني كرامة الفقير، ويظلم فيها السلطان رعيته، ويتوغل فيها صاحب النفوذ، ولا أحد يردعه.
أليس من الطبيعي “جدا” أن تجد من المسلمين من يغش ومن يكذب ومن يسرق، من يبصق على الأرض نهارا جهارا، ومن يلقي بالأوساخ في الأماكن العامة وهو يعلم أن ثمة من سينحني ليلتقطها، ومن يراقب شاشة الصراف الآلي بشغف ودهشة مكبوتة وهو ينتظر من يقف عندها أمامه، من يتجاوز الطابور مستهترا بوجود من سبقوه، ومن يستغل وظيفته ولا يخلص فيها، ومن يتسلق عاطفة المرأة محتَكما نزواته وأنانيته، ومن يجرد العبادة عن الأخلاق والقيم.
آلهة الأرض هم أنفسهم الذين امتطوا الدين ليمارسوا ذكوريتهم المقيتة، وليلبسوا العادات البالية بما حلل الله سبحانه وتعالى وحرّم، وليبرروا عصبيتهم الشرسة، وليبثوا سمومهم الممزوجة بالعسل، وليجعلوا من خوفنا من الله درعا لمصالحهم، لا يخترقه فكر أو منطق أو تحليل. آلهة الأرض هم أنفسهم الذين جعلوا من الدين الحنيف دعاء بلا عمل، وعبادة بلا خلق، وشكليات بلا مبادئ، وشعارات بلا تطبيق، وقرآن بلا تذوق، وشرائع بلا استشعار، وخوف من الله بلا حب أو لذة.
آلهة الأرض هم أنفسهم الذين قدسوا اجتهاداتهم وفتواهم، وهم من جعلوا القرآن عِضين، فصاروا يقررون ما الحلال وما الحرام، من أهل الجنة ومن أهل النار، من تُقبل عبادته ومن تُرفض، من أهل الحق ومن أهل الضلال.
إلهنا واحد، وكتابنا واحد، وديننا دين حق وعدل وخير، وفي داخلنا قلوب لا تضل طريقها إلى الله، عامرة بحبه، نابضة بقربه، ليست بحاجة بوصلاتهم المضطربة، ولا فتواهم المنحرفة “الحلال بيّن والحرام بيّن، وبينهما مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يقع فيه، ألا وإن لكل ملِك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب”.
Like this:
Like Loading...
Related